intelligentcia-أنتلجنسيا
أصدر “مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث”، خلال السنة الجارية كتابا وصفه المختصون بالقيم، من إنجاز الكاتب “محمد زاوي”، تحت عنوان:”منجز عبد الله العروي..مقدمات في التأسيس النظري”.
وفيما يلي ملخصا للكتاب المذكور:
فهرس الكتاب
مقدمة
1 ــ خارطة طريق لقراءة مشروع العروي: مدخل إلى “الروح المطلقة” للفكر المغربي
2 ــ كتاب “الإيديولوجيا العربية المعاصرة: إنصاف وخلاصات
النقاد وحدودهم
الشيخ ورجل السياسة وداعية التقنية
شروط القراء
القراءة.. أو ثمرة الشروط
لمن كتبت “الإيديولوجيا العربية المعاصرة”؟
3 ــ في التاريخ كمهنة: المنحى، الحدث، الشاهدة، النقد، والإسطوغرافيا
الإشكالية والوعي الملازم لصاحبها
معنى التاريخ ومنحى المؤرخ
الحدث التاريخي والشاهدة
في مفاهيم “النقد” و”التدقيق” و”الإحياء”
في الإسطوغرافيا
4 ــ نظرية الدولة من “مفهوم الدولة”
متى تبدأ نظرية الدولة؟
الدولة في مخاض الجدل الألماني
الدولة والمجتمع
تحديث الدولة
التركيب النهائي لنظرية الدولة
5 ــ “من ديوان السياسة”: الليبرالية والتاريخانية
مشروع العروي: علم السياسة في خدمة “عالم السياسة”
مختصر “الديوان”
6 ــ الحرية وضرورة السلطة: قراءة سياسية في “مفهوم الحرية”
نظرية الحرية
الحرية وعلم السياسة
طوبى الحرية في واقعها السياسي
من طوبى الحرية إلى دعوتها
الليبرالية: مطالب وواقع سياسي
7 ــ البحث عن ماركسية العروي في “مفهوم الإيديولوجيا”
استعمالات الإيديولوجيا
نديم البيطار ومطرقة العروي النقدية
8 ــ مفهوم العقل
مشروع “مفهوم العقل”
العقل وحدود المطلق
وجهتان للمنطق الأرسطي
9 ــ الوعي بالحداثة في تصور العروي
الحداثة وما بعد الحداثة
التحديد التاريخي لما بعد الحداثة الأولى
لماذا ترفض نخبنا الحداثة؟
10 ــ جدلية الديني والسياسي في “السّنة والإصلاح”
الفيلسوف والمتكلّم ورهان العلم الموضوعي
النبي إبراهيم: حدث فارق ورمز في الذاكرة
الوجدان في مكة والتاريخ في المدينة
في العلاقة بين السياسة والشريعة
السّنة ومكر التاريخ
11 ــ عقيدة العروي على لسان روسو، وعقيدة روسو على لسان “قس الجبل”
الخط الثالث بين النفس والسياسة
لماذا جان جاك روسو؟
تحولات وتقلبات جان جاك روسو
عقيدة جان جاك روسو
دين الفطرة: بين بلكبير وأنور عبد الملك
دواء المضطرب بين الوجدان والمجتمع
12 ــ موقف العروي من الاستعمار
الاستعمار ونظرية الدولة في فكر العروي
الموقف الجدلي من الحركة الوطنية
الاستعمار والكتابة التاريخية
13 ــ من وحي عبد الله العروي
تفاعلاً مع امحمد جبرون
بين الحداثة والتقليد: المعادلة المغربية
الأسرة المغربية
هل يتكرّر ما حصل في نكسة 1967؟
البيعة المغربية، واجب يتجدّد في شروط خاصة
نقد العروي جائز.. لكنه صعب المنال
في الخصوصية السياسية المغربية
خاتمة
************************************
مقدمة
مَن يطلع على كتابه المترجَم مؤخراً، “الفلسفة والتاريخ”، يعرف إلى أيّ حد استطاع عبد الله العروي الإلمام بالفكر الغربي، بمدارسه وآفاقه في الحياة المادية والنّفسية للإنسان الحديث. فمن يريد قراءة فكر العروي، أو محاورته، مطالب بقراءة هذا الكتاب، لأنّ معرفة موقع المحاوَر أو المقروء له كفيلة بطي مسافات طويلة من الخلاف، وهذا ما يفتقر إليه لا منتقدو العروي فحسب، بل قراؤه والمنتسبون إليه أيضاً.
من يقرأ كيف يتحدث العروي عن “الماركسية الموضوعية” في كتابه الأخير “أوراق كوفيد”، وكيف قال إنّها كفيلة بتنظيم الفهم وترتيب الوعي بمنجز الحداثة، كذا بالتفاوت بيننا وبين الغرب؛ من يقرأ ذلك يعلم أنّ قراءة العروي مرحلة لاحقة لمراحل أخرى سابقة من التحصيل والدراسة.
من يقرأ “خواطر الصباح” بذهن حاضر وقراءة متأنية، يكتشف سر اكتناز العبارة في فكر العروي، ويعلم أنّ للتعقيد في كتابته أصلاً في موسوعية تكوينه وتعدد اهتماماته الأدبية والعلمية والفلسفية.
غاب هذا الاعتراف، ومعه غاب التصريح بالقصور والنقص، فاتسعت الهوة بين القارئ والمقروء، فلا المخالِف يعرف أسباب الخلاف، ولا المؤيّد يعرف إلى أيّ فكر ينتسب، وعن أي حداثة يدافع مع العروي؟ كلٌّ يجد في العروي غرضه منه، فيحلّ التأويل محلّ القراءة، وتُقرأ كتب العروي جزراً لا تربط بينها جسور، وفي أحيان كثيرة، يصحّ النقل لا الفهم، وينتسب القارئ لعبارة العروي لا لمنطقه.
كُتِب هذا الكتاب على فترات، محكوماً بالهمّ أعلاه، وكتِب أيضاً مقالاًبعد مقال، ودراسةً بعد دراسةٍ، كان غرضها البحث عن التفصيل في فكر العروي، ذلك التفصيل الذي همّشته العموميات إذ يردّدها من يدعون وصلاًبالعروي. ففيما يبني هو نصَّه على التفصيل وتدقيق المعرفة، نحا بعض قرائه بفكره منحى مثالياً لا يُميّز ماركسيته عن باقي الماركسيات، ولا تاريخانيته عن باقي التاريخانيات، حداثته عن باقي الحداثات، وطنيته عن باقي الوطنيات، علاقته بالتراث عن باقي العلاقات، وهكذا. فكان هذا الكتاب بمثابة تنبيه إلى التفصيل المغمور في مشروع العروي، أو إلى تلك الأفكار والمناهج المرجعية على أهميّتها ومركزيتها تُهمَل في كمّ هائل من القول التبشيري.
خمس سنوات من النّظر في فكر العروي، وما زال النّظر مستمراً، ثم إنّه لم يصل بعد إلى برّ الأمان ليقول صاحبه: ها قد كشفتُ سرَّ العروي، ولكنها محاولة جادة، حسبها التسليم بالنقص والقصور منذ البداية، وتكميل العروي بغيره من الماركسيين، عرباً وغير عرب. هذا ما يجعل منهامحاولة ذات فائدة لصاحبها قبل القراء.
الوقوف عند عبارة العروي المكتنزة هو ما أنتج الفرق وهو ما جعلنا نقرأ في متنه ما لم يقرأه آخرون، ومن ذلك: الاهتمام بالتحليل الجزئي، البحث عن الكلّي في الجزئي والعكس، ربط النصوص فيما بينها، قراءة النظر في الرواية، استصحاب الفكر في السيرة، هو ما جعلها قراءة ممتعة لا تُملّ، تحقّق الفهم في جوّ من الوِجد وحضور “البركة”.. الاصطبار على ملازمة نص العروي مدة طويلة، رغم تعدّد القراءات، هو ما آتى أكله. “من ثبت نبت”، كما قال أبو حنيفة صاحب المذهب الفقهي المعروف.
اختصر أبو حامد الغزالي “برهان” شيخه الجويني في “المنخول”، واختصر ابن رشد الحفيد “مستصفى” الغزالي في “الضروري في أصول الفقه”. وفي زمن متأخّر، في نهاية القرن 19 بالضبط، دوّن فلاديمير لينين محاولته لفهم الجدل الهيجلي في كتابه “دفاتر عن الديالكتيك”.
الاختصار بداية، محاولة للكشف عن الجوهري في فكر ما، بحث عن حدود الالتقاء والافتراق مع اجتهاد فكري أو علمي بعينه. الذين مرّوا على وجه العجلة لنقد العروي، أو لعرض آفاقه وكشف أغراضه ومقاصده في العمل والممارسة؛ هؤلاء وأولئك لم تسعفهم طبائعهم، أو تقاعس هممهم، في إعمال قراءة متأنية في مشروع العروي. ربما أخذتهم العزة بالكِبر، ففرّوا من اختصار النص إلى “تحريفه”، وهنا نفهم قول العروي: “إنّ كتاب «الإيديولوجيا العربية المعاصرة» لم يستنفد أغراضه بعد” (في ندوة أقيمت على شرف الكتاب بالدار البيضاء). لو فهِم لا ستنفد أغراضه كتدوين، لو أصبح سياسة لاستنفد أغراضه كفكر.
لا نقول إنّ كتابنا هذا لزم حدود الاختصار، إلّا أنّ الكشف عن غرض العروي والوصول إلى منهجه في التحليل وغايته في النظر، كان أملاً لنا منذ البداية. وشيئاً فشيئاً، أخذت القراءة المتأنية المكتفية بالفهم تبحث لمجهودها عن مسلك جديد، كان هو الإيضاح والإفهام والبحث عن روحٍ من العروي في شؤوننا الخاصة والعامة. يجد فيه القارئ الاختصار والإيضاح، كما يجد فيه المقارنة والاجتهاد في كشف أسرار المكتنز من نص العروي، استصحاب العروي لشرطنا الحالي، وغيرها من المجهودات التي يجدها القارئ في محلها.
يجد القارئ في هذا الكتاب:
ــ خارطة طريق لقراءة مشروع عبد الله العروي. هي محاولة ذاتية تبني على علاقة خاصة بنص صاحب “الإيديولوجيا العربية المعاصرة”، قد تفيد من يتلّمس لتوه طريقه إلى هذا المشروع المتشعب والإشكالي.
ــ قراءة في “الإيديولوجيا العربية المعاصرة”، على ضوء سجال وواقع جديدين، مع التركيز أيضاً على بعض القضايا التي ظلت مغمورة في نصّها.
ــ مختصراً للجزء الأول من كتاب “مفهوم التاريخ”، حيث تطرّق العروي لعدد من المفاهيم والإشكاليات الرئيسية الضرورية لمن يزاول مهنة “التأريخ”.
ــ استنتاج نظرية الدولة من كتاب “مفهوم الدولة”، حيث يناقش العروي أهم المرجعيات الفلسفية والفكرية المؤسّسة لنظرية الدولة، وحيث ينقد بعضها ببعض إلى أن يضع خلاصة نقده في “تركيب نهائي” يجمع بين هيجل وفيبر وماركس.
ــ إشارة إلى أهم الموضوعات التي تضمنها كتاب “من ديوان السياسة”، حيث ينتقل العروي من السياسة بمعناها العام إلى السياسة بمعناها الخاص، ومن مناقشة النوازع كدوافع للسياسة إلى مناقشة السياسة في خصوصيتها المغربية.
ــ قراءة سياسية في “مفهوم الحرية”، تسلّط الضوء على المسار الفلسفي لتبلور نظرية الحرية في الغرب، مع التمييز بين ما هو منها من النظرية وما هو من الدعوة أو الطوبى؛ وكلها في سياق علاقة جدلية بالواقع السياسي، حيث تمارَس السلطة.
ــ بحثاً عن ماركسية العروي في “مفهوم الإيديولوجيا”، حيث يرى العروي أنّ الاستعمالات الثلاثة للإيديولوجيا ــ “كقناع أو كنظرة كونية أو كعلم للظواهر” ــ حاضرة عند ماركس، ما يجعله صاحب “نظرية إيديولوجيا بامتياز”، يقول العروي.
ــ تتبّع جدلية الديني والسياسي في كتاب “السّنة والإصلاح”، حيث يمزج العروي بين منهجين في تناول الظاهرة الدينية. منهج تاريخي يفسّر الظاهرة بشروطها التاريخية، وتخمين وجداني يحاول من خلاله البحث عن تفسير لغير المفسر.
ــ الكشف عن نوع العقيدة التي يميل إليها العروي من خلال تعريبه لـ”عقيدة قس الجبل” (“دين الفطرة”) لجان جاك روسو، مع إعمال مقارنة بين ميل العروي من جهة، وموقفي كل من أنور عبد الملك وعبد الصمد بلكبير.
ــ الوعي بالحداثة وما بعدها من خلال محاضرة قدمها العروي بعنوان “عوائق التحديث”. فبالوعي نستوعب الحداثة الغربية بدل أن تمكر بنا، أما معاداتها اللاواعيةفليست في صالحنا.
ــ إبراز موقف العروي من الاستعمار، ما يؤكّد اهتمامه بهذه الإشكالية عكس الادعاء الذي ساقه محمد عابد الجابري في سياق انتقاد خصّ به عبد الله العروي.
– نصوصا كُتبت من وحي العروي وباعتماد كتبه، خاصّة “الإيديولوجيا العربية المعاصرة” و”مفهوم الدولة” و”من ديوان السياسة” و”استبانة” الخ.
إنّها مجرد محاولة للفهم صاحبها ما زال في الطريق، لو فكّر بعقل الكمال لما أخرج هذا الكتاب للعلن، والمحاولة هنا خيرٌ من لا شيء. محاولةٌتروم قراءة نصّ مكتنز أفضل بكثير من نقد فاقد للأهلية.
خاتمة
لم تنته القراءة، بل لتوها بدأت. هذا مشروع للعمر، وقد رأينا إلى أيّ حد تحرّر منه نقاده! لقد رأينا كيف أصابتهم لعنة البعد خارج حدود “النظرية”! لقد رأينا “عقائديتهم” في صيغ فلسفية! رأينا كيف يُشبِعون التحليل تأملات وجدانية! كيف يتكلمون في التاريخ محفوظات لا تؤكّدها شواهد! كيف يبدعون في تحديد المفاهيم لا تحدها حدود في الواقع الموضوعي ولا شروط في التاريخ! كيف تَحُول الطوبى بينهم وبين نظرية الحرية! كيف يناقشون الدولة الحديثة بمنطق “دولة الاستعباد”! كيف يخوضون بالعقل غماراً ليس من شأنه الملموس! كيف يستعيضون عن “الماركسية” بمناهج قاصرة! كيف يستصحبون لدول الجنوب ماركسية خاصة بالجزء الشمالي من العالم! كيف يتعلقون بأمل ديمقراطي خارج ضرورة “المخزن”! كيف يعرّفون الوطنية حسب أغراضهم وأهوائهم الخاصّة لا كما تشكلت في تاريخ المغرب! كيف لا يُميّزون في مسائل الدين بين تاريخ ووجدان! كيف يفصلون الفقه والكلام والسلوك عن التاريخ! كيف يمكر التاريخ بـ”سنتهم” في نهاية المطاف!
ما كان لهذا أن يحصل لو تحققت القراءة، لو صحت عند من تحققت لديه صورياً. غابت القراءة، فبقينا حبيسي “ما قبل النظرية”. وفي أحشاء هذه المنزلة المأزومة تكوّن الشراح، بل النقاد في أسوأ الأحوال. تتفاوت منازل النظر، مَن قبل النظرية ومن اقتحم فضاءها الرحب؛ فيستحيل الشرح تحريفاً، ويستحيل النقد جرأة غير مستحقة.
إنّنا نجني اليوم نتيجة غربة أمثال العروي في مجتمع يطلب التحديث. نرى بالضبط من يعارض الدولة في مشروع التحديث، نرى من يتكلم في السياسة بمنطق “العقيدة”، من “يفهم” الاقتصاد بمرجعية أخلاقية، من يطالب بالحق ليس في العيش فحسب بل في إقامة “طوباه” أيضاً، من يحاسب التدبير الفقهي بمنطق “التقليد” لا بمنطق “المصلحة”، من يحرج الدولة بقراءة عقائدية في تاريخ المغرب. هؤلاء هم بالضبط خصوم العروي، وهم في الوقت نفسه خصوم استراتيجيون للدولة. يطرح هذا عدة أسئلة لعل أبرزها: أليست الدولة اليوم في حاجة إلى مشروع العروي أكثر من أي وقت سابق؟!
الماركسية العربية على أهمية بعض نماذجها، كأنور عبد الملك وعبد الصمد بلكبير وآخرين، إلّا أنّها بدأت مضطربة وهي اليوم أكثر اضطرابا. معدودون على رؤوس الأصابع هم أولئك الماركسيون العرب الذي ألهمتهم ماركسية عبد الله العروي. لم تستوعب الغالبية مرماها في شروط الحرب الباردة، ثم في شروط السيطرة الأمريكية بعد ذلك. فماذا عن اليوم بعد أن أصبح “مهندس الدولة القومية” (بتعبير العروي) أكثر سلطة وأكثر قدرة على اتخاذ القرار؟!
لا غنى للنخبة المنضوية في مشروع الدولة، أو تلك المرتبطة به؛ لا غنى لها عن الاهتمام بالعروي. قد لا يروقها سقف مطالبه في السياق الحالي، لكنها في مشروعها ترى “مغرب اليوم” في “مغرب الغد”، يلهمها الأفق في واقع غير مسعف، تختبر نظرياً ومستقبلياً إلى أي حدّ يمكن للعقل المغربي أن يعرف قضاياه معرفة ملموسة، تتوخّى الإنتاج في التاريخ، لا التيه في عوالم غير ملموسة وقابلة للخلاف.
ليست “الإيديولوجيا العربية المعاصرة” التي لم تستنفد أغراضها فحسب، بل في نظرنا كافة مشروع العروي. من أنكر فليثبت العكس، وليجب على الأسئلة التالية: كيف نفهم التاريخ، الدولة، الإيديولوجيا، الحرية، العقل، الوطنية، الدين، الأدب، الثقافة، الحداثة الخ؟ أو كيف تفهمها نخبنا المثقفة على الأقل؟ يحضر العروي كلّما غابت النظرية في ذهننا الجمعي، يذكرنا بالطريق الصحيح “للوعي بالتفاوت” كلما ضللناه.
هنا أهمية العروي النظرية التي تفوق فيها على جيله.