مغربنا 1 جريدة إلكترونية مغربية


استفادة النخب السياسية ومعاناة المواطن..السياسة المغربية في ظل تغيرات الأسواق العالمية

أنتلجنسيا مغربنا 1-Maghribona 1 : مراد علوي

تشهد الأسواق العالمية تقلبات مستمرة ناتجة عن أزمات اقتصادية وسياسية متشابكة، بدءًا من الجائحة العالمية مروراً بالحرب في أوكرانيا وصولاً إلى التضخم العالمي والارتفاع المتزايد في أسعار الطاقة والغذاء. هذه التحولات، التي تعصف بالاقتصادات الكبرى، لم تستثنِ المغرب، حيث تتأثر البلاد بشكل مباشر بتلك العواصف الاقتصادية، ما يدفع إلى التساؤل: هل المواطن المغربي هو من يدفع الثمن الأكبر لهذه التقلبات؟ أم أن النخبة السياسية هي المستفيد الأول من السياسات المعتمدة لمواجهة هذه الأزمات؟

في المغرب، يعاني المواطن البسيط من ارتفاع أسعار السلع الأساسية، بدءًا من الغذاء وصولاً إلى المحروقات، وهي الزيادات التي ألقت بثقلها على الطبقات المتوسطة والدنيا. فعلى سبيل المثال، شهدت أسعار الدواجن والزيوت زيادة هائلة خلال الأشهر الأخيرة، ما دفع العديد من الأسر إلى تقليص استهلاكها أو حتى الاستغناء عن بعض المواد الضرورية. في حين أن هذه الأزمة تُعزى في جزء كبير منها إلى التقلبات في الأسواق العالمية، إلا أن السياسات الحكومية في التعامل معها تثير العديد من التساؤلات.

يتردد الحديث بين أوساط الشارع المغربي عن استفادة بعض الأوساط المرتبطة بالنخب السياسية من الوضع الراهن. هناك من يشير إلى أن النخب الاقتصادية، التي تمتلك نفوذًا في مراكز القرار، تستفيد من توجيه السياسات الاقتصادية بما يخدم مصالحها. فهل يمكن اعتبار هذه التحليلات نوعًا من المبالغة الشعبوية؟ أم أن هناك بعض الحقيقة خلف هذه الادعاءات؟

على مر السنوات الماضية، تبنت الحكومة المغربية عدة إجراءات للتخفيف من حدة الأزمات، مثل تقديم الدعم لبعض المواد الأساسية، وزيادة الإنفاق على البرامج الاجتماعية. لكن هذه الحلول غالباً ما وُصفت من قبل النقاد بأنها “مسكنات” أكثر من كونها حلولاً جذرية.

فعلى سبيل المثال، شهد المغرب في عام 2015 إلغاء تدريجي لدعم المحروقات، وهي خطوة بررتها الحكومة بأنها تهدف إلى تقليل العبء على خزينة الدولة وتوجيه الموارد إلى القطاعات الأكثر احتياجًا، مثل التعليم والصحة. ومع ذلك، كانت لهذه الخطوة تأثيرات مباشرة على القدرة الشرائية للمواطنين، حيث ارتفعت أسعار الوقود بشكل كبير، مما أثر بدوره على أسعار النقل والمنتجات الأخرى. وفي الوقت نفسه، أفادت تقارير أن بعض الشخصيات المرتبطة بالحكومة كانت تستفيد من هذه الزيادات من خلال استثمارات في قطاع المحروقات، مما جعل الانتقادات تتزايد حول تضارب المصالح.

ومن الأمثلة السياسية التي تُثار دائماً في هذا السياق، هو الدور الذي لعبته شركات توزيع المحروقات في البلاد، مثل شركة أفريقيا المملوكة لرئيس الحكومة عزيز أخنوش. فعلى الرغم من الجهود التي بُذلت لإصلاح هذا القطاع، لا تزال الشكوك قائمة حول مدى تأثير هذه الشركات على سياسات التسعير وعلى الحكومة نفسها، مما يدفع العديد من المواطنين للاعتقاد بأن النخبة السياسية قد تكون المستفيد الأكبر من سياسات السوق الحالية.

في ضوء الأزمات الحالية، يظهر التضخم كأحد التحديات الكبرى التي تواجه المغرب. ارتفاع الأسعار بشكل متسارع أثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية للمواطن البسيط، في حين أن النخبة السياسية والاقتصادية، التي تسيطر على قطاعات استراتيجية مثل الطاقة، الزراعة، والتوزيع، تبدو أقل تأثراً بهذا الوضع.

تظهر دراسات اقتصادية حديثة أن بعض القطاعات الاقتصادية المرتبطة بالنخب شهدت مكاسب كبيرة خلال الفترات الأخيرة. على سبيل المثال، قطاع تصدير المنتجات الزراعية، حيث يشهد المغرب نمواً كبيراً في هذا المجال، في حين أن السوق الداخلي يعاني من ارتفاع أسعار الفواكه والخضروات. هنا يأتي التساؤل حول ما إذا كان المغرب قد تحول إلى “مزرعة” لتلبية احتياجات الأسواق الأوروبية، بينما يجد المواطن المغربي صعوبة في تأمين حاجياته الأساسية.

في سياق الحديث عن النخب السياسية وتأثيرها على السياسات الاقتصادية، لا يمكن إغفال مسألة تضارب المصالح التي أصبحت محور انتقادات لاذعة من قبل الصحافة والمجتمع المدني. العديد من السياسيين المغاربة يشغلون مناصب اقتصادية هامة في قطاعات استراتيجية، مما يعزز الشكوك حول مدى قدرتهم على اتخاذ قرارات تخدم المصلحة العامة. على سبيل المثال، تثار التساؤلات حول الدور الذي تلعبه بعض الأسماء البارزة في الحكومة والبرلمان في صناعة القرار الاقتصادي وتأثيره على مصالحهم الشخصية.

يُذكر أن عبد اللطيف وهبي، وزير العدل ، تعرض لانتقادات حادة بسبب مقترحاته المتعلقة بإصلاح القانون الجنائي، حيث يتهمه البعض بأنه يسعى لحماية النخب السياسية والاقتصادية من المساءلة القانونية. مما يعزز الشعور بأن النخب تحاول حماية مصالحها على حساب العدالة الاجتماعية والاقتصادية.

يبقى المواطن المغربي البسيط هو الحلقة الأضعف في هذه المعادلة، حيث يشعر بأنه يعاني وحده من تداعيات الأزمات الاقتصادية. ارتفاع الأسعار، ضعف الخدمات، وتدهور البنية التحتية، كلها عوامل تزيد من الضغوط اليومية على الطبقات الدنيا والمتوسطة.

ومع تزايد الانتقادات للسياسات الاقتصادية، هناك دعوات متزايدة لمزيد من الشفافية والمساءلة، وضمان أن تكون القرارات الحكومية بعيدة عن تضارب المصالح. فالمواطن البسيط لا يبحث فقط عن حلول مؤقتة لتخفيف الضغط، بل يطالب بسياسات طويلة الأمد تضمن توزيعاً عادلاً للثروة والموارد، بما يكفل حماية حقوقه في مواجهة التقلبات الاقتصادية.

في ظل تقلبات السوق العالمية وتداعياتها المحلية، يبدو أن المستفيد الأكبر هو النخبة السياسية والاقتصادية، التي تستفيد من التوجهات الحالية في السوق ومن القرارات الحكومية التي تفضل حماية مصالحها. وفي المقابل، يظل المواطن المغربي البسيط يدفع الثمن الأكبر لهذه التحولات، مما يطرح تساؤلات عميقة حول العدالة الاقتصادية ودور الحكومة في حماية مصالح كل شرائح المجتمع، بعيداً عن تأثيرات النخب والمصالح الخاصة.



شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.