أنتلجنسيا مغربنا 1-Maghribona 1 / عبد الواحد بلقصري : باحث في علم الإجتماع السياسي بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة
اعتبر صمويل هنتنغتون، أن “مستوى الاجتماع السياسي التوافقي الذي يحققه أي مجتمع، يعكس العلاقة بين مؤسساته السياسية والقوى الاجتماعية التي يتألف منها”، إذ إن “وجود مؤسسات سياسية قادرة على بلورة مصالح عامة، هو ما يميز المجتمعات المتطورة سياسيًا عن المجتمعات المتخلّفة سياسيًا، كما أنّه يميز أنماط المجتمعات السياسية التوافقية الأخلاقية عن المجتمعات اللاأخلاقية“.
ويربط هنتنغتون أيضًا بين الثقة المتجذرة في ثقافة المجتمع والمؤسسات السياسية باعتبارها علاقة جدلية، فـ”الاجتماع السياسي التوافقي معناه إضفاء طابع مؤسّسي على الثقة، والوظيفة الجوهرية لسلطات الحكم العامّة هي العمل على زيادة انتشار الثقة المتبادلة في قلب الكلّ الاجتماعي.
فالثقة جزء من الحياة الاجتماعية اليومية في تعاملنا مع الاخرين وهي مرتبطة كذلك بالمؤسسات العامه من ناحية الاداء الحكومي فكلما حسن الاداء والإنجاز وتحقيق العدالة والمساواة زادت الثقة بتلك المؤسسات والقائمين عليها وبالتالي وجود الخدمات الحكومية للعامة من صحة وتعليم ونقل ووظائف وتقلص مستويات الفقر وازدياد درجات العدالة التوزيعة وانعكاس عوائد التنمية ترتفع معدلات الثقة بالمؤسسات والقائمين عليها هناك دوره للثقة السياسية تبداء بجودة المؤسسات السياسية والحكومية والخدمية ،جودة الخدمات المقدمة مدركات الفساد،ووجود الاشخاص المتحمسين للخدمة العامة وتقديمهم الصالح العام على الخاص تقود جميعًا الى ثقة الفرد ثم اندفاعهللمشاركة السياسية والمشاركة في عملية صنع القرار ،هذة الدوره متكاملة عكسها انعدام الثقة وعلية فان ضعف الأداء وغياب العدالة والمساواة وازدياد معدلات الفساد والبيروقراطية الإدارية وضعف الخدمات تقود إلى العزوف عن المشاركة السياسية.
وبالرجوع إلى المسوح الوطنية والدولية التي اجريت حول مؤشر الثقة بجوانبه الامتعددة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية نجد هناك تراجع ،وبالأخص مؤشر الثقة في المؤسسات المنتخبة ، وستحاول هاته المقالة أن تبرز العلاقة بين الدولة الاجتماعية والثقة في المغرب المعاصر.
عرفت الأدبيات السياسية والانتروبولوجية في عدة دول أوروبية وشمال أوروبا الدولة الاجتماعية بأنها الدولة التي يلقى عليها واجب تقديم المساعدات والعون للفئات الضعيفة في المجتمع، والتي عليها مسؤولية حماية المواطنين من إمكانية الوقوع ضحية اقتصاد السوق الرأسمالي.
والدولة الاجتماعية، هي التي تضمن التوزيع العادل للثروة من خلال الموارد والخدمات بناء على عدد من التشريعات، خصوصا في مجال التقاعد والشيخوخة والتأمين والعجز وغيرها من المخاطر التي تهدد الانسان، وتضع الاسرة تحت حماية قانونية خاصة، وهذه التشريعات يطلق عليها شبكة التأمينات الاجتماعية، ويعتبر النموذج الألماني إحدى أهم النماذج المتميزة في العالم ،حيث مع إعادة توحيد ألمانيا تم البدء في تطبيق نموذج الدولة الاجتماعية وبدأت الحكومة الفدرالية بصرف جزء من تكاليف إعادة توحيد ألمانيا .
برز مفهوم الدولة الاجتماعية في القاموس السياسي خلال القرن التاسع عشر في سياق خاص جدا. إذ يعود إلى مؤسس الوحدة الألمانية بسمارك Bismarck حينما أقبل على إقامة نظام الحماية الاجتماعية من أجل تضييق الخناق على البروز السياسي للحزب الديمقراطي الاجتماعي المحظور، وبالتالي دمج الحركة العمالية الألمانية. وشهد هذا التعريف المقتصر في البداية على الحماية الاجتماعية، انتشارا متزايدا ليشمل أربعة ركائز أساسية للدولة الاجتماعية، وهي على الشكل الآتي؛ الحماية الاجتماعية، وتقنين علاقات الشغل (الحق في الشغل والمفاوضة الجماعية)، والخدمات العمومية، والسياسات الاقتصادية (ميزانياتية، نقدية، تجارية، دخلية…) المدعمة للنشاط الاقتصادي والتشغيل .
كما أن الدولة الاجتماعية مرتبطة بشكل قوي بالديمقراطية. فعبر الديمقراطية، يتم التعبير على المواطنة الفاعلة، وتحقيق التماثل الاجتماعي ، وهناك ثلاثة اطروحات تؤكد هذه الأطروحة: أن الديمقراطية تؤدي الى التنمية الاقتصادية والاجتماعية حسب نظر المفكر البنغالي أمارتياسن ، والاطروحة الثانية تؤكدأن التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا تؤدي إلى الديمقراطية والدليل على ذلك نموذج دول المينا والخليج العربي،اما الأطروحة الثالثة فتتعلق بان التنمية الإنسانية تؤدي الى التنمية الاقتصادية والاجتماعيةة باعتبار ان التنمية الانسانية تتعلق بإعطاء الناس الفرص والقدرات وتنمية الإنسان لأجل الانسان
وباعتبارها تتعلق بمؤشرات ترتبط بالأمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والبيئي .
كما أن الدولة الاجتماعية تنبني على العدالة المجالية وإعطاء التراب أحقيته واهميته باعتباره يشكل إحدى أهم مرتكزات المواطنة الفاعلة وهو عنصر الإنتماء ،دون أن ننسى أن معالم ها ترتكز على محاربة الاحتكار العمومي وتنبني على توزيع الموارد والخدمات وتكافؤ الفرص وفعالية و ضبط القانون وتنظيم الحــــــــــــــــوار العـــــــــــــــمومي وتفعيل الديمقراطية التشاركية .
والسؤال الذي يطرح من خلال التجارب المقارنة يتبين لنا أن دعامات الدولة أصبحت حاضرة بشكل قوي لدينا سواء من خلال دستور سنة 2011، أو البرامج الحكومية للحكومات التي أعقبت هذا الدستور، حيث نص الدستور في تصديره ذكر بالعديد من دعائم الدولة الاجتماعية.
إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.
المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية.
كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء.
وإدراكا منها بضرورة إدراج عملها في إطار المنظمات الدولية، فإن المملكة المغربية، العضو العامل النشيط في هذه المنظمات، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها، من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها عالميا.
كما تؤكد عزمها على مواصلة العمل للمحافظة على السلام والأمن في العالم، وتأسيسا على هذه القيم والمبادئ الثابتة، وعلى إرادتها القوية في ترسيخ روابط الإخاء والصداقة والتعاون والتضامن والشراكة البناءة، وتحقيق التقدم المشترك، فإن المملكة المغربية، الدولة الموحدة، ذات السيادة الكاملة، المنتمية إلى المغرب الكبير.
كما نص في الفصل الأول على ما يلي:
كما نص في الفصل 31 على ما يلي:
– العلاج والعناية الصحية؛
– الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة؛
– الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة؛
التنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة؛
– التكوين المهني والاستفادة من التربية البدنية والفنية؛
ونلاحظ من خلال ما سبق أن دستور 2011، أبرز لنا دعائم وركائز الدولة الاجتماعية الي تنبني على التضامن والمساواة والانصاف والحكامة الجيدة وتوزيع الخدمات العمومية بشكل متساو والاندماج الوطني والحماية الاجتماعية …
لكن بالرغم من كل ماسبق فإن تحقيق الدولة الاجتماعية لا يمكن أن يتحقق بدون إعادة الثقة في المؤسسات الدستورية من حكومة وبرلمان ،حيث أن تجربة التناوب التوافقي التي اعتبرت كمحطة استطاعت إعادة التصحيح و الانخراط في مشروع بناء الدولة الديمقراطية الحداثية،فإن أزمة الثقة في الحياة السياسية المغربية بقيت معطى ثابت ،بالرغم من الضمانات والمــكاسب الدستورية التي جاء بها دستور سنة 2011.
إن خلق فضاء للحوار و التواصل و النقد و لغة المكاشفة تستدعي بناء الثقة عير خلق ثقافة سياسية مبنية على التوافق والتراضي والتعايش من داخل ثقافة الاختلاف.
إن تجربة التناوب رغم النوايا الحسنة لم تستطيع أن تتماثل مع الطموحات العريضة للشعب المغربي ,على اعتبار أنها تندرج ضمن دائرة إعادة إنتاج السائد, وبالتالي فهده التجربة رغم الايجابيات قد عمقت أزمة الثقة في العمل السياسي ، وبالرغم من الرهانات الدستورية الكبيرة التي واكبت حكومات مابعد دستور 2011 ، فإن هيمنة التيار الشعبوي والانتهازي داخله أثر بشكل كبير على المشهد السياسي المغربي.
إن بناء الدولة الاجتماعية ,هذا المشروع الكبير يحتاج إلى طريق سيار للثقة بين الدولة و الأحــــــــــــزاب ,الــــدولة و المــــجتمع المدني محطته الأولى و الأخيرة هي الإصلاح, لأنه لا يكفي أن تكون هناك إرادة للتغيير بدونالتأسيس لمـــبدأ المحاسبة ومن ثمة إعادة الثقة في العمل السياسي,باعتباره عــــــملا شفافا مبنيا على المحاسبة والحكامة الجــــــيدة و خاضعا للثمثيل والمساءلة وفعالية القانون والتنمية الديمقراطية .