التعليمات الملكية تعيد الأمل..والحكومة تصر على لعب دور المتفرج!
أنتلجنسيا مغربنا 1-Maghribona 1
في كل مرة تتجلى أزمة من الأزمات التي تهدد الأمن الاقتصادي والاجتماعي للمغاربة، يبرز جلالة الملك محمد السادس نصره الله كرجل المرحلة، متخذاً قرارات حاسمة تنتصر للشعب، وتضع خططاً طموحة لإعادة التوازن إلى المناطق المنكوبة وتنفيذ مشاريع إنمائية تعيد الأمل إلى النفوس.
آخر هذه التدخلات الملكية كانت تلك المتعلقة بإطلاق برنامج لإعادة تأهيل المناطق المتضررة من الفيضانات في الجنوب الشرقي للمملكة، بتكلفة تقديرية تصل إلى حوالي 2.5 مليار درهم. هذه المبادرة تعكس عمق رؤية الملك وحرصه على مصالح المواطنين، ولكنها في الوقت نفسه تُسلط الضوء على غياب المبادرة الحكومية، وتُثير تساؤلات جوهرية حول طبيعة الأدوار التي تقوم بها الحكومة المُنتخبة.
من المفارقات التي باتت سمة للحياة السياسية المغربية أن الحكومة، المعنية أولاً وأخيراً بتدبير الشأن العام، تتوارى خلف ظل التعليمات الملكية، منتظرة إملاءات من فوق للقيام بمهام هي من صميم اختصاصاتها. فلماذا لم تبادر الحكومة إلى وضع خطة شاملة لمعالجة آثار الفيضانات قبل تدخل القصر؟ هل فقدت السلطة التنفيذية البوصلة التي كانت من المفترض أن تقودها إلى استباق الأزمات بقرارات جريئة ومبادرات حقيقية؟ أم أن الأمور وصلت إلى حد أن المسؤولين يفضلون التريّث والتلكؤ حتى تأتيهم الإشارة الملكية لتجنب أي محاسبة لاحقة؟
تنبع هذه التساؤلات من حقيقة مؤلمة يعيشها المواطن المغربي، الذي يرى في كل مرة أن الحكومة التي انتخبها بأصواته وبرامجه الانتخابية، تتحول إلى مؤسسة تابعة تنتظر التوجيهات لتنفيذ ما كان يجب أن تفعله بمحض إرادتها. وإذا كانت المبادرات الملكية هي التي تحرك عجلة التنمية وتتصدى للأزمات، فلماذا إذن تُعقد الانتخابات، وتُعطى الثقة لأحزاب وبرامج سياسية وُضعت على الورق فقط لتُنسى بعد تحقيق المصالح الشخصية؟
هذا التوجه في إدارة الشأن العام يثير أيضاً تساؤلات حول جدوى التمثيل السياسي ذاته. كيف يمكن للمواطن أن يثق في مؤسسة تنفيذية عاجزة عن اتخاذ القرارات في وقتها؟ والأهم من ذلك، هل أصبح العمل السياسي في المغرب مجرد واجهة لتصريف تعليمات القصر، دون أي إضافة نوعية أو دور محوري للحكومة في معالجة الملفات الشائكة؟ إن هذا الواقع يضع النموذج الديمقراطي المغربي في موضع اختبار، بل يُفرغ السياسة من جوهرها الذي هو المبادرة والاستجابة المباشرة لاحتياجات المواطنين.
إذا كان جلالة الملك، بحكمته المعهودة، يتدخل لحل الأزمات وسد الثغرات في تدبير الشأن العام، فإن ذلك لا يعفي الحكومة من مسؤوليتها في التفكير والإبداع واتخاذ الخطوات اللازمة لحل الأزمات قبل أن تتحول إلى كوارث تتطلب تدخلات عليا. فالفيضانات التي اجتاحت الجنوب الشرقي ليست بالأمر المفاجئ، ومن المفترض أن تكون الحكومة قد استعدت لها عبر خطط طوارئ جاهزة واستراتيجيات للتعامل مع الكوارث الطبيعية، بدلاً من الوقوف مكتوفة الأيدي وانتظار الحلول من فوق.
بل وأكثر من ذلك، هناك تساؤل أخطر: إذا كان الملك هو من يتدخل لحل الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، فأين يتجه المال العام الذي تُصرفه الحكومة؟ أين تذهب الأموال المخصصة للتنمية المحلية ومشاريع البنية التحتية؟ وهل من المعقول أن تُهدر الميزانيات في مصاريف ترفية بينما يُعاني المواطنون من سوء الأحوال الجوية وغياب البنية التحتية الملائمة؟
إن هذا الوضع يضع مصداقية العمل السياسي في المغرب على المحك، ويثير تساؤلات مشروعة حول دور الأحزاب والهيئات المنتخبة. فهل أصبح دور السياسي هو التفرج وانتظار التعليمات الملكية، بدل أن يكون هو المبادر إلى اتخاذ القرارات وتنفيذ البرامج التنموية التي تُعزز من ثقة المواطن في مؤسسات الدولة؟
إن الحكومة اليوم مطالبة بإعادة النظر في دورها، فالشعب المغربي لم يُدلِ بصوته ليختار ممثلين يجيدون لعب دور المتفرج، وإنما انتخبهم ليجد فيهم السند عند المحن، وليكونوا على تواصل مباشر مع أزمات المواطنين، يقدمون الحلول، ويعملون على وضع خطط استباقية تعيد الأمل إلى نفوس الناس. فإذا كانت الحكومة عاجزة عن هذا، فإننا نقف أمام أزمة ثقة حقيقية قد تجعل المواطنين يفقدون الإيمان بجدوى المشاركة السياسية برمتها.
إن التصفيق لكل مبادرة ملكية هو واجب وطني، لكن في الوقت ذاته يجب أن نرفع الصوت عالياً: أين الحكومة من كل هذا؟ وإذا كانت تحتاج في كل مرة إلى التعليمات العليا لتتحرك، فما دورها إذاً؟