أنتلجنسيا مغربنا 1-Maghribona 1
ما حدث في دورة جماعة سيدي زوين بمراكش ليس مشهداً عابراً أو حادثاً معزولاً، بل هو تجسيد صارخ لواقع مؤلم تعيشه المجالس الجماعية في المغرب، حيث تحولت هذه المؤسسات، التي من المفترض أن تكون منبراً لتدبير الشأن العام، إلى ساحات لتصفية الحسابات الشخصية وتحقيق المصالح الخاصة، في مشاهد تعكس انهياراً أخلاقياً وسقوطاً مدوياً لقيم العمل السياسي.
لقد انقلبت دورة جماعة سيدي زوين إلى ساحة معركة حقيقية بين المنتخبين، تخللتها اشتباكات وتكسير للممتلكات العامة، كأنهم في صراع على غنيمة وليسوا في مجلس هدفه خدمة المواطن وتلبية احتياجاته. فلا النقاشات السياسية حضرت، ولا البرامج التنموية طُرحت، بل هيمن العنف والفوضى في صورة تعكس أزمة عميقة في تدبير الشأن العام المحلي.
المشهد الذي شهدته دورة الجماعة يكشف النقاب عن حقيقة مُرّة: هل هؤلاء المنتخبون جاؤوا بالفعل لخدمة مصالح المواطنين، أم أن وجودهم في هذه المجالس لا يعدو كونه وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية ضيقة، حتى ولو كان الثمن هو استنزاف ثقة المواطن وضرب هيبة المؤسسات؟ ما الذي تبقى من احترام للدولة والقانون إذا كان المنتخبون أنفسهم من يكسرون الممتلكات العامة دون أدنى إحساس بالمسؤولية أو الندم؟
إن هذا التسيب الذي يتكرر في دورات المجالس الجماعية يتطلب تدخلاً عاجلاً من السلطات المعنية، ليس فقط لوقف هذه الممارسات المشينة، بل أيضاً لمراجعة مدى أهلية هؤلاء الأشخاص لتمثيل الشعب. فكيف يمكن للمواطن أن يثق في منتخبين يفجرون خلافاتهم الشخصية في وجه المصلحة العامة؟ وكيف لمثل هؤلاء أن يطرحوا حلولاً لقضايا التنمية والبطالة والصحة إذا كانوا عاجزين حتى عن التحكم في سلوكهم داخل قاعة الاجتماعات؟
لقد بات من الضروري أن تتحرك السلطات وتضرب بيد من حديد لردع هذه الظواهر التي تنذر بانزلاق المجالس الجماعية إلى فوضى سياسية وأخلاقية غير مسبوقة. فإما أن يُعاد ضبط المشهد بإجراءات صارمة، أو أن تتسع رقعة الفوضى أكثر، ليصبح المواطن المغلوب على أمره في مهب الريح، يتفرج على منتخبين يتقاتلون على مصالحهم الشخصية بينما يضيع صوته وأمله بين الأنقاض.
إننا أمام مشهد يختصر أزمة أكبر، أزمة ضياع البوصلة في المشهد السياسي، حيث لم يعد بعض المنتخبين يمثلون سوى مصالحهم الضيقة، بينما يُتركون دون محاسبة. فهل آن الأوان لإعادة النظر في مفهوم الحصانة الممنوحة لهم؟ وهل يُعقل أن من يكسر الممتلكات العامة ويمزق صورة المؤسسات أمام المواطن يُترك دون عقاب؟
آن الأوان للسلطات أن تضع حداً لهذا العبث، وللمواطن أن يستعيد صوته المسلوب، فما يحدث اليوم في سيدي زوين ليس مجرد شجار، بل هو جرس إنذار حول ما آل إليه العمل السياسي المحلي من تراجع مخيف وتفكك خطير في منظومة القيم والمبادئ التي يفترض أن توجه العمل العام.