بمناسبة تعيين حكومة أخنوش الثانية:رجال الأعمال في السلطة..هل نعيش ازدهارًا اقتصاديًا أم احتكارًا للقرار؟
أنتلجنسيا مغربنا 1-Maghribona 1:الشيخ بوعرفة
شهدت العديد من الدول تحولاً واضحاً، في السنوات الأخيرة، نحو تكوين حكومات تتألف من رجال الأعمال وأصحاب الشركات الكبرى، حيث يُنظر إلى هؤلاء الأفراد على أنهم شخصيات قادرة على إدارة الدولة بمنطق الأعمال التجارية، جالبين معهم خبرات عميقة في القيادة والاستثمار وخلق الثروات.
لكن، وعلى الرغم من هذه الميزات، يظل السؤال الأكثر إلحاحاً: هل تشكل “حكومة رجال الأعمال” فرصة للنمو الاقتصادي، أم أنها طريق سريع نحو احتكار السلطة وتقييد الديمقراطية؟
لا شك أن رجال الأعمال يملكون قدرات مميزة في إدارة المشاريع وتحقيق النجاحات الاقتصادية، وهذا ما يجعلهم خيارًا مغريًا للعديد من الحكومات التي تسعى إلى تعزيز النمو وتقليص البطالة.
فهم قادرون على جذب الاستثمارات الأجنبية، تحسين بيئة الأعمال المحلية، وتقليص البيروقراطية التي تشتكي منها العديد من القطاعات، حيث يبدو أن هؤلاء الأفراد، بفضل خبراتهم في السوق، قادرون على توفير حلول سريعة وفعالة لمشاكل اقتصادية مزمنة.
ولكن، وراء هذا المظهر الجذاب، تظهر تحديات أخرى مرتبطة بالمصالح الشخصية وتعزيز نفوذ الشركات الكبرى على حساب المجتمع الأوسع.
فرجل الأعمال الذي يتحكم في مفاصل الدولة قد يميل إلى استخدام السلطة السياسية لتحقيق مصالحه التجارية، ما يفتح الباب أمام خطر احتكار السلطة وتحويل الحكومات إلى أداة في خدمة النخبة الاقتصادية.
هذا، وتأتي “حكومة رجال الأعمال” بشعارات الإصلاح والتغيير، لكنها في كثير من الأحيان قد تؤدي إلى تقويض القيم الديمقراطية. عندما يصبح تركيز السلطة بين يدي قلة من رجال الأعمال، يُخشى أن يتحول النظام السياسي إلى نظام احتكاري، حيث تُدار الدولة لخدمة المصالح الشخصية للنخبة الاقتصادية. يحدث ذلك عبر تمكين رجال الأعمال من تمرير قوانين وتشريعات تعزز من نفوذهم وتقلل من قدرة المواطنين العاديين على المشاركة في صنع القرار.
هذا الوضع قد يؤدي إلى تآكل الثقة بين المواطنين وحكوماتهم. بدلاً من أن تُبنى الحكومات على مبادئ المساواة والعدالة، يصبح الهدف الأساسي هو حماية مصالح الشركات الكبرى على حساب الحقوق العامة والمصلحة الوطنية. في هذا السياق، يصبح التوازن بين تعزيز النمو الاقتصادي والحفاظ على الديمقراطية مسألة حاسمة.
تُعد تجربة المكسيك خلال فترة حكم الرئيس كارلوس ساليانس دي غورتاري في التسعينيات مثالاً على هذا النموذج من الحكومات. كارلوس كان اقتصاديًا ومن رجال الأعمال البارزين الذين قادوا إصلاحات كبيرة في الاقتصاد المكسيكي. خلال فترة حكمه، نجح في توقيع اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (NAFTA)، ما أدى إلى تعزيز التجارة وجذب الاستثمارات الأجنبية إلى المكسيك، وتحديث بعض القطاعات الاقتصادية.
لكن في الوقت نفسه، ارتفعت معدلات الفقر والتفاوت الاجتماعي، وبدأت المكسيك تواجه مشاكل متزايدة في قضايا الفساد، حيث استفادت النخب الاقتصادية بشكل كبير من السياسات الجديدة. كما اتُهمت حكومته بالتركيز على تعزيز نفوذ الشركات الكبرى على حساب الشعب، مع تصاعد الاحتجاجات الاجتماعية والاقتصادية.
بين تعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق المكاسب السريعة، يبقى المواطن العادي في موقع الضحية المحتملة. فبينما يُمكن لرجل الأعمال أن يُعزّز الاقتصاد بشكل مؤقت، إلا أن التركيز الزائد على منطق السوق قد يؤدي إلى تهميش الفئات الأكثر ضعفًا في المجتمع. القوانين التي تسعى إلى “تحسين مناخ الأعمال” قد تضر بالحقوق الاجتماعية، وتزيد من الفوارق الطبقية، مما يضع مستقبل العدالة الاجتماعية في خطر.
السؤال الذي يجب أن يطرحه كل مجتمع يتجه نحو حكومة رجال الأعمال هو: كيف يمكن التوفيق بين الحاجة إلى النمو الاقتصادي والابتكار، وبين ضمان ألا تتحول الدولة إلى رهينة في يد النخبة الاقتصادية؟ الحل لا يكمن في رفض رجال الأعمال كلياً، بل في إنشاء ضوابط وآليات تضمن التوازن بين تحقيق المكاسب الاقتصادية وصون الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
تجربة المكسيك خلال فترة حكم رجال الأعمال تُظهر أن حكومة رجال الأعمال قد تكون سيفًا ذو حدين؛ فهي تقدم وعدًا بالازدهار، ولكنها تحمل في طياتها خطر احتكار السلطة وإضعاف الديمقراطية.