مغربنا 1 جريدة إلكترونية مغربية


“عبد المولى المروري”:جريمة زعزعة العقيدة (2) تجاهل مشترك بين العلماء والدولة

بقلم:عبد المولى المروري

عودتنا الدولة المغربية على مراقبة كل ما يروج في وسائل التواصل الاجتماعي من كتابات وتدوينات ولو كانت صغيرة أو تافهة، وكل خرجات النشطاء عبر الفيسبوك أو اليوتيوب ولو كانت تائهة.. ولا تتوانى من خلال أجهزتها الأمنية والقضائية على متابعة ومحاكمة كل من اعتبرته مقترفا جرما من خلال ما يكتب أو يقول، ولو عن طريق الشبهة.. واليوم خلف القضبان العشرات من الشباب النشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي في السجون بسبب تدوينة وحيدة أو مقال صغير بتهم غريبة، من قبيل: إهانة موظف، ترويج معلومات يعلم بعدم صحتها، أو إهانة شخصيات أو مؤسسات.. وهذا يؤكد شدة تتبع الدولة لكل ما يُكتب، وحزمها وعدم تساهلها مع من اتضح لها أنه قد ارتكب جريمة عبر هذه الوسائط، ولو كانت تدوينة واحدة مرت عليها شهورا أو سنوات.. رغم أن الكثير من المتابعات والمحاكمات لا تخرج عن كونها آراء ومواقف لا ترقى إلى مستوى الجريمة..

في السنوات الأخيرة فُتح المجال واسعا والباب على مصراعيه لبعض المغاربة من أجل ضرب الإسلام من خلال التشكيك في مصادر تشريعه، الكتاب والسنة، ومن خلال الطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعملون – عن عمد – على نقل ونشر مجموعة من الأكاذيب والمغالطات، والتأثير بها على نفوس وعقول المغاربة، ولا سيما الشباب منهم..

المشكلة في هؤلاء الذين أسميهم الرويبضة أو اللوكعيين لا يقدمون رأيا أو وجهة نظر علمية في قضايا تهم العلوم الشرعية، بأصولها وفروعها، بل هم يتوجهون مباشرة بالتشكيك والطعن في بأصول الدين نفسه، ويشككون في بعض آيات القرآن من حيث صحتُها أو انسجامُها مع العقل (كما يتوهمون)، بل يعتبرون أن القرآن مجرد وثيقة، تكون تارة تاريخية عندما تحكي عن أمم وشعوب سابقة، وتارة وثيقة تضم إحكاما متجاوزة ومتخلفة مثل آيات الفروض والإرث، أو آيات الحدود، وأن كل أحكامه ضد حقوق الإنسان، وأصبحت متجاوزة بالنظر إلى ما عرفه العالم من تطور وتقدم.. وتارة يعتبرونها وثيقة أخلاقية عندما يتكلم عن الأخلاق، كما ينفون عنه صفة كلام الله.. وإلغاء بعده التعبدي باعتباره يضم مجموعة من الخرافات التي تصادم العقل وتنافي الواقع..

تطاول هؤلاء على سنة رسول الله صلى الله عليه، والطعن في العديد من الأحاديث الصحيحة تجاوز كل الحدود، عندما وصل تطاول بعضهم إلى شخص رسول باتهامه اتهامات خطيرة متعلقة بتعديد زواجه، وزواجه من عائشة رضي الله عنها، وغير ذلك من المواقف والتصرفات الخاصة به كرسول من رب عليم.. والطعن والتاجسر على كبار الصحابة ورميهم بأقدح النعوث والأوصاف..

المغفل هو من يعتقد أن ما يقوم به هؤلاء من طعن في أصول الدين الإسلامي بعيدٌ عن زعزعة عقيدة المغاربة، فكل ما يقولونه أو يكتبونه أو يروجونه هو زعزعة واضحة وصريحة لهذه العقيدة، وزرع الشك في عقول المغاربة في أفق التخلي عن الإسلام كعقيدة وشريعة ونظام حياة.. قد لا يكون من يعتقد ذلك مغفلا بالضرورة، فقد يكون متواطئا..

فما هو المتوقع من المواطن العادي أو الشاب السطحي عندما يسمع من هؤلاء هذا الطعن والتشكيك في القرآن والسنة والصحابة والعلماء؟ وهو عمل ممنهج ومتواصل ومتكرر ومتطور.. وماذا يستنتج هذا الشاب أو المواطن العادي عندما يرى هؤلاء تفتح لهم القنوات والمؤسسات التابعة للدولة؟ ألن يتسرب إلى ذهنه أن ما يقوله هؤلاء الرويبضة واللكعيين صحيح وسليم، ويقتضي الاتباع والإيمان به؟ وأليس هذا ما يسمى قانونا زعزعة عقيدة المسلم طبقا للفقرة الثانية من الفصل 220 من مجموعة القانون الجنائي؟

فكما قلت هو عمل ممنهج، لأن له خطة ومسار وهدف يروم الوصول إلى طرد فكرة صلاحية الإسلام وضرورته من عقول الناس، ومتواصل حتى يبقى دائم التواصل والاتصال بعقل المتلقي، ومتكرر حتى يعتاد المتلقي على سماعه ويستقر في ذهنه على حساب المعتقدات التي وعاها وعرفها من أبويه أو مدرسته أو مجتمعه، ومتطور لأنهم يستعملون أحدث الوسائل العصرية من أجل التواصل والتأثير.. إن هذا الجيل المدجن والسطحي يعيش أبشع عملية غسل الدماغ في القرن 21.. على مرأى ومسمع من الدولة..

وكما قلت في الحلقة الأولى من المقال السابق، أنا في العمق مع حرية التعبير، ولست أدعو – قطعا – إلى متابعتهم أو إعمال القانون الجنائي في حقهم، ولكن أنا أتساءل عن سر تجاهل ما يقومون به إلى درجة قد يصل فيها الاعتقاد أن ذلك يعني دعمهم وتشجيعهم على صنيعهم ذاك..

الملاحظ أنه عندما يوغل هؤلاء في الطعن في الشريعة والقرآن والسنة تغمض الدولة عينها وتدس رأسها في التراب وكأنها لا ترى ولا تسمع، رغم أن ما يقومون به ملء الأسماع، ويعتبر جريمة واضحة مع الاستمرارية والاعتياد وبالأدلة القطعية، وعندما يكتب شخص نكرة تدوينة واحدة صغيرة تترصده الأجهزة، ويتم اعتقاله على الفور ومحاكمته بأحكام جنائية قاسية، وإن كانت تلك التدوينة عبارة عن رأي أو موقف ناتج عن وضع اجتماعي مأساوي يعيشه المعني بالأمر، أو ظلم تعرض له من صاحب سلطة، أو فضح لفساد يؤدي ثمنه الشعب والوطن.. ولا تستدعي تَحَرك الأجهزة الأمنية وتوظيف القضاء وإغراق السجون بمعتقلين على خلفية قضايا تافهة.. وهذا يعكس نوعا من ازدواجية المعايير التي تعتمدها الدولة في التعامل مع مواطنيها، والكيل بمكيالين والحكم بقانونين حسب المستهدف به.. الأمر الذي يضع سؤال العدالة والمساواة أمام القانون موضع تساؤلات محيرة..

الخطير في الأمر أن ضرب الثوابت الدينية، وأصولها ومصادرها يمس في العمق مكونين رئيسيين في المغرب، مؤسسة إمارة المؤمنين، ومؤسسة البيعة الشرعية.. لأن هذين المكونين يستمدان مشروعيتهما من الثوابت التي يعمل الرويبضة واللوكعيبن على الطعن فيها والتشكيك في أصولها وصحتها وضرورتها.. وبالتالي فإن هذه الجريمة لن تقف عن زعزعة عقيدة المسلم، بل إنها تتمد وتتوسع لتهدد شرعية الدولة واستقرارها واستمرار وجودها على أسس شرعية إسلامية..

وهنا اختم ملاحظاتي بالسؤالين التالين: ألا تدري الدولة أن ما يقوم به هؤلاء هو زعزعة واضحة لعقيدة المسلم؟ ألا تدري أن الطعن والتشكيك في أصول الإسلام ومصادر التشريع يستهدف إمارة المؤمنين والبيعة الشرعية؟



شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.