مغربنا 1 جريدة إلكترونية مغربية


محطات رمضانية من زمن آخر .. نوسطالجيا رمضانية

(( تيريرا تيريرا هذا عام الحريرة ))
يقينا أن لكل منا ترمضانياته و طقوسه التي تشربها طفلا حين كان رمضان غير رمضان وأحياؤنا الشعبية كانت شكل ثاني فعلا .. كانت أجواء البيوت تتغير قبل موسم الصوم بأيام ليس من باب إعداد الزميتة و سْلّو فقط لأن الشباكية والمخرقة لم تكن أمهاتنا تعرف كيفية تجهيزها وكان الأب المسكين يكتفي بالشباكية المعروضة أمام حوانيت الحومة والله وحده يعلم مصدرها وهي غارقة وسط عسل السكر والنحل مكجكج عليها و أشياء أخرى ..
سْلّو لم يكن هو نفس سْلّو الذي نعرفه الآن بل كان خليطا فقط من طحين محرّق و قليل من الكاوكاو زد عليه سانيدة سكر و زيت عادي و زبدة المارغارين ليخرج منتوج الزميتة التي تزين وجبات الإفطار الرمضاني لزوما جنب زلائف الحريرة التي ترتبط رائحتها بشهر الصوم وإذا أضفنا إبريق القهوة المغلاة مع طبق الكرموص والشريحة نكون قد انتهينا تقريبا من إفطار رمضان الذي تحول الآن إلى موسم أكل بلا نهاية ووصفاته لا تحد ولا تحصى ..
لا يهمنا ما نحن عليه الآن ، بل أتذكر يوما عدت من المدرسة قبل الظهر وكان البيت فارغا إلا من أمي التي كانت منهمكة في إعداد عجين الخبز .. كانت كتدلك وتعاود .. كانت المسكينة شبه مكفية على وجهها وهي تقلب العجين داخل الكصعة التي ظلت تشكل دائما سحرا خاصا لي و لحد الساعة فالكصعة ليست هي طباسيل الطوس و ليست هي أي صحن .. الكصعة أ صاحبي .. شي حاجة .
دخلت خلسة إلى المطبخ الصغير حيث كانت أمي تخفي كيس الزميتة في مكان لا يصل إليه حتى الجن الأزرق كما تقول .. لم تكن تعرف أن كل الجنون المزرقطة كانت تصل لكل شيء تخفيه ولو تحت رموش عينيها ..
((التبقاش سلالة فيكوم الله ينعلها سلعة ))..
التبقاش كلشي كيبقش .. و شكون قال ؟ يمكن .. فقد يوجد شيء ما مهم في مكان ما في البيت .. تسللت تحت الصندوق وأخذت الكيس البلاستيكي الذي كان يحتوي فقط على الطحين المحروق الذي أعدته الوالدة في انتظار اقتراب رمضان كي تخلطه ب(القوام) .. هاد كلمة القوام فعلا كانت معقداني لأنك كما لو كنت أمام إعداد مشروع لانازا .. الحريرة القوام ،الحوت القوام أشمن حوت غي كفتنة السردين بالروز .. الرفيسة القوام ،لا يذهب خيالكم إلى الرفيسة الرفيسة لاء لاء نحن نتكلم عن التامبصلت فقط لمن يعرفها وما تتضمن من حلبة وحب الرشاد و ثوم و بصل وطماطم و خبز يابس ..قاليك القوام .. لواه النبك ..
المهم أني أخذت الكيس الذي يحتوي الطحين وحتى لا ينتبه أي أحد إلى جريمتي لم أفتحه من فوق أي من المكان الطبيعي بل مزقته قليلا من تحت ووضعت شفاهي مباشرة في شفاه الكيس و توكلت على الله و نثرت نثرة طويلة حتى أصبح نصف الطحين في حلقي .. نعم لقد اختنقت ببساطة وطرت من مكاني أرتجف كالطير المذبوح أفركل و أضرب بيدي و رجلي ، كنت أجري في اتجاه الباب لا أعرف ما أفعل حين سمعت أمي صراخي ونهضت من فوق قصعة عجينها لتأخذني طبعا و تشربني ماء لعل عيوني التي خرجت من رأسي تعود إلى محاجرها ..
قد تكون ضربتني بدبزة على قفاي لا أتذكر لكنها غالبا فعلتها فالدبزة على القفا معروفة في حالة الجيف التي كثيرا ما تحصل على موائدنا المرتبة جدا جدا .. كان هذا آخر عهدي بالزميتة و سلو و لسنوات طويلة لم أذقها حتى كبرت ..
كانت وجبة الفطور تتم سريعا فأغلب أطفال الجيران لا يفطرون في بيوتهم وأهلهم يجدونها فرصة ليرتاحوا منهم بإخراجهم ليملؤوا الدروب ضجيجا .. صابر اخرج .. صابر ..
كان الشدق الأخير في فمي و يدي تحزم صندالة حلومة وأنا أقذف بجسدي إلى الدروب التي لن أعود منها للبيت إلا مع سْدِي عْلِي ..
((تيريرا تيريرا هذا عام الحريرة ))
سْدِي عْلِي هو طراح الفران الرسمي للحومة وهو النفار التاريخي عندنا ولازال أولاده لحد اليوم يرثون هذه الحرفة .. طووط طوط طووووط .. وتجدنا حوله ووراءه نتبعه من بيت لبيت قبل أن تبدأ جولة الطبال والغياط ساعة أو ساعتين قبل الفجر .. لم نكن أشرارا حقا ولم نكن يقينا لصوصا حتى ونحن نسرق البطبوطات التي نجد بعض النساء تجهزنها على المجامر أمام البيوت فوق الفرّاح أي الطاجين الخاص بالملوي .. كنا نخطف بطبوطة أو اثنتين أو لي قسم الله ونطير كالبرق تصل أكعابنا إلى قفانا .. لا يجمعنا إلا صوت أمهاتنا تنادينا أن ادخلوا قد حان وقت السحور وغدا صباحا المدرسة ..
السحور عبارة عن براد شاي فعلا وطبسيل د ملاوي أو بغرير أو بطبوط أو هذه الأصناف التي لا تختلف إلا في الإخراج فقط .. قبل أن نرتمي في أي مكان يجمع نزقنا وتعب يوم طفولي بلا نهاية ..
** سليمان الهواري // رحيمو .. صابر والآخرون **


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.