مغربنا 1 جريدة إلكترونية مغربية


“سعيد يقطين” يكتب:طوفان الأقصى..نهاية بداية

مغربنا1-maghribona1

تعجبت كثيرا من ردود الأفعال المتعددة التي أعقبت تصريح وزير التراث الإسرائيلي عن قصف غزة بالقنبلة النوويةبل إن الاستنكار جاء حتى على لسان نتنياهو أمير المذبحة الكبرى في غزةوتوالت التصريحات التي تعلن رفضها لذاك التصريح في الإعلام الغربي، وكل يؤوله بحسب رؤيته التي تسعى إلى إبراز وجه «آخر» للصهيونية لا علاقة له بما هو نووي أو مدمرلكن الحقيقة في رأيي أن ذاك التصريح تعبير صادق وأمين عن اللاشعور الصهيوني، والذي يترجم في الأفعال الحقيقية التي قامت بها إسرائيل ردا على طوفان الأقصى، وقبل ذلك في كل تاريخ الصراعإن تصريحات مثلمحو غزة من الخريطة، وتهجير الفلسطينيين منها، وتدمير البنيات التحتية بشكل عشوائي وغير ذلك مما يضيق عنه اللسان، والذي بات يستنكره حتى أشد الناس شراسة في الدفاع عن الكيان الصهيوني هو أكثر مرارة وحدّة من القنبلة النووية.

إن استمرار القصف والغارات منذ أكثر من شهر، وعدم الانصياع للمطالب الدولية بتوقيف الحرب، وعدم السماح لفتح معبر رفح لدخول الضروريات إلى القطاع، واستهداف المدارس والمستشفيات وغير ذلك مما يفطر الفؤاد قصفٌ بقنابل نووية أخرى غير تلك التي فعلتها أمريكا إبان الحرب الثانيةإنها القنابل نفسها التي استهدف بها العراق بدعوى إرجاعه إلى العصور الوسطى، واللائحة طويلةما الفرق بين غطرسة أمريكا وصهيونية نتنياهو؟ إن إسرائيل هي أمريكا، وليست أمريكا سوى ولاية في إسرائيللذلك لا مجال للتعجب من الأفعال المشتركة بينهما بما فيها القصف بالقنبلة النووية عمليا، أو التصريح به لغويالقد دمر بوش العراق، وعمل على جعله مرتعا للفوضى والصراع الدائموهو العمل الذي تقوم به إسرائيل، ولا مجال للبحث عن الذرائعفأمريكا باسم أسلحة الدمار الشامل دمرت العراق بأسلحة أكثر دمارا، وتبين بعد الحرب أن ليست هناك أية أسلحة للدمار في العراقونتنياهو باسم التصدي لطوفان الأقصى في السابع من أكتوبر يتبع السياسة نفسها، بل إن أمريكا كانت مساهمة في ذلك بكل الخبرات والإمكانات.

لقد كشف طوفان الأقصى عن حقيقة الصهيونيةوحين اعتبرته إعلانا للحرب عليها، وهي التي بدأتها منذ أكثر من سبعين عاما، وظلت تواصلها دائما من خلال المداهمات المتواصلة، والاعتقالات، وبناء المستوطنات، واعتداء مستوطنيها على المصلين في المسجد الأقصى، وتدخلاتها الاعتباطية والهمجية في الضفة الغربية وقطاع غزة بين الفينة والأخرى كانت في ذلك تسوغ لنفسها ما ترفضه لغيرهاإن التضليل والكذب من الأساليب التي تبرر بها الصهيونية أفعالها الإجرامية، وهي تقدم نفسها ضحية الإرهاب الذي تختزله في حماسفما الذي يجعلها تساوي بين حماس وغزة التي تعمل على تدمير أحيائها بالجملة، وممارسة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي؟ لطالما كشفت لنا إسرائيل عن قدرتها على استهداف رموز المقاومة واعتقالهم، أو اغتيالهمفلماذا، وهي القوة التي لا تقهر، ومخابراتها التي لا تخفى عليها خافية، لم تقم بالعمل نفسه، وتواجه حماس، وليس أطفال ونساء ومسني غزة؟ أليس فيما تزعمه عن حماس ليس سوى ذريعة لتقتيل وتهجير شعب غزة؟ أو ليس هذا هو محتوى ما يمكن أن يقوم به أي قصف بقنبلة نووية؟

إن ما اعتبر بدءا لحرب هو في الحقيقة استنكار للمباغتة والاقتحام الذي تولد مع طوفان الأقصى، وإلا فإن الحرب مستعرة أبدا، وإسرائيل هي من يبدأها دائماولقد أوقع هذا المخابرات والحكومة اليمينية المتطرفة في مأزق، وكانت الضربة موجعةفلم يكن ثمة بد من الهروب إلى الأمام، والعمل على ممارسة أقسى درجات الانتقاموجدت إسرائيل نفسها في وضع لم يسبق لها أن عاشتهكانت دائما تقوم بالأفعال، فجعلها طوفان الأقصى تقوم برد الفعل، وجيشت الإعلام، وكانت أمريكا طرفا محوريا في المعادلة، وتبين الوجه الحقيقي للغربوتولد عن الحرب الإعلامية أن توجهت أصابع الاتهام إلى حماس بانها هي التي بدأت بالحرب، وكأن السلام كان سائدا في المنطقة، والفلسطينيون في غزة والضفة يرفلون في نعيم الدولة التنويرية ويتمتعون بالحياة السعيدة في ظل الديموقراطية الوحيدة والفريدة في الشرق الأوسط؟

استمر التدمير أكثر من شهر، وأتى على الأخضر واليابسوكما كان رفض إيقاف الحرب وإدخال المساعدات مشروطا بإطلاق سراح الأسرى مقيدا في البداية بدعوى القضاء على حماس، صار، وقد بان لكل ذي عينين في العالم، أن التدمير فاق أي حد، موجها نحو القضاء على يحيى السنوار لتبرير استمرار الحرب وتقييد إدخال المساعداتإنها الذهنية الأمريكية نفسهاتخلق العدو، وتختصره في شخص لتبرير استمرارها في التدمير لتحقيق أهدافها الجهنميةكان دخول العراق باسم أسلحة الدمار الشامل، ثم تحول إلى البحث عن صدام حسينوكان الإرهاب أولا، ثم صار البحث عن أسامة بن لادن بعد ذلكإنها الخطط عينها التي تبحث دائما عن مسوغ مقنع إعلاميا للاستمرار في أفعالها الشنيعة.

إن طوفان الأقصى نهاية لبدايةتتمثل البداية في ميلاد أسطورة إسرائيل الكبرىأما النهاية فتبرز في إيقاف أسطورة القوة التي لا تعرف الحدودفمنذ الأيام الأولى من الحرب، صارت إسرائيل تستدعي جيشها الاحتياطي، وتقوم بتجنيد المرتزقة الإسبان، وكانت أمريكا تمدها بالذخيرة والدعم العسكري من خلال التهديد، واستعراض العضلات العسكرية، وتنادي هي أيضا بعدم إيقاف الحرب ضدا على كل الدعوات في العالمولقد تمكن الأبطال المغاوير الصهاينة في شهر واحد من قتل أكثر من عشرة آلاف مواطن فلسطيني؟ ورصد الإحصاءات دال على مأساة حقيقيةوالعجيب أن الصهاينة لم يفقدوا سوى ما يقارب ثلاثمائة بطل؟ لقد كشفت المقاومة رغم كل الدمار أنها قادرة على الصمود لأنها صاحبة قضيةوإذا كان التآمر والتواطؤ أوقفها، بل ودفع إلى نسيانها جاء طوفان الأقصى ليجدد الانتباه إلى أن هناك شعبا يعاني منذ أكثر من سبعة عقود، وآن الأوان لاسترجاع القضية إلى الواجهة العالميةوما التعاطف الكبير الذي عرفته القضية، عكس ما كان سائدا في كل تاريخ الصراع، سوى تعبير على ذلكلقد جعل طوفان الأقصى الحرب الروسية ـ الأوكرانية في الخلفية، بل وفي الظل، وأبان أن هناك بداية جديدة لنهاية قديمة تفرض على المنتظم الدولي وعلى كل الأطراف، بما فيها أمريكا التفكير في طريقة جديدة لحل القضية بعد إنهاء كل الآثار الناجمة عن القصف الذي لا يختلف عن القنبلة النوويةبات الكل يتساءل عما بعد حرب الإبادة على غزة.

لقد بيّن طوفان الأقصى حقيقة إسرائيل وتناقضاتها الداخليةوما استمرار نتنياهو في عنجهيته سوى تأجيل للكشف عن توريطه المواطن الإسرائيلي والعربي في حرب قذرة خدمة لمصالحه الخاصةإنه غير قادر على تدبير شؤون غزة بعد انتهاء الدمار، وليست له أي صورة عما بعد الحربويبدو أن ما سيكون بداية جديدة لما بعد الحرب المدمرة هو أخطر مما كان قبلهاولقد بدأ يلوح في الأفق جعلها تحت سيطرة السلطة الفلسطينية؟ فهل سيكون العرب في مستوى الإجماع وتجاوز خلافاتهم من أجل الإصرار على إيجاد حل عادل للقضية؟ وهل بإمكان الفلسطينيين الارتقاء إلى مستوى البداية الجديدة لتجاوز ما يحاك من مؤامرات جديدة؟ هذا هو سؤال بداية مصيرية جديدة.

بقلم:سعيد يقطين



شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.