مغربنا 1 جريدة إلكترونية مغربية


أمريكا وإيران والنظام الدولي

مغربنا 1 المغربالمغرب

يتداول الإعلام العالمي الصراع بين الولايات المتحدة وإيران بمصطلحات سياسية دون جذور فهي تفتقر الى العمق الاجتماعي و الاستراتيجي، فتغدو مصطلحات سياسية بحتة ومجردة أي إنها فقيرة وليست غنية بالمعنى، على الرغم من غزارتها وتلونها. فما المقصود بوصف دولة بأنها قوية؟ وبناء على أية معطيات؟ هل يكفى تعداد القوات العسكرية لتلك الدولة دون حساب قوة الاقتصاد والتماسك الاجتماعي؟ وإذا كان السياسيون يتكلمون و// لا يقولون شيئا // فهذا بحد ذاته // قول // سياسي مفهوم لأسباب تتعلق بالممارسة السياسية العملية، ولكن عندما ينتقل القول العائم الى الخطاب الإعلامي والتحليل الإخباري، فان النتيجة هي انعدام الفهم لدى المتلقي أي عموم الجمهور الذي يتعاطى السياسة عبر الإعلام العالمي السائد.

واليوم يشهد العالم انشغالا حول التصعيد بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران يصل حد التهديد بالحرب ونشر القوات، ولكن لا احد يعرف مع ذلك إن كانت الحرب ستقع أم لا فما الذي يعنيه أن تنشر أقوى دولة في العالم قواتها دون أن يكون هذا مؤشرا أكيدا على الحرب؟ ثم – في حال كانت هذه حربا مؤكدة – فمن يمكن ان يكون عدوا لأقوى دولة في العالم إن لم يكن ندا او قوة عالمية ثانية مثل روسيا او الصين على الأقل؟ فهل تحتل إيران مرتبة العدو الند للولايات المتحدة؟ ومتى خرجت من نطاق العالم الثالث؟ فالصين مثلا كانت متقدمة على بقية آسيا بمقياس عشرين سنة منذ أوائل السبعينات ثم في أواخر العقد نفسه وضعت القيادة الصينية الجديدة وقتذاك برنامجا للنهوض الاقتصادي بتبني السياسات الرأسمالية في الاقتصاد مع الحفاظ على القيادة الشيوعية في السياسة، وتبين انه برنامج ناجح مع المكانة الراهنة للصين وخروجها من مستوى العالم الثالث فهل تقع إيران حقا موقع العدو المهدد لأمريكا؟ بالإضافة إلى ان روسيا والصين وهما تقعان بين العالم الأول والثاني لا تجرؤان على ان تكونا عدوتين للولايات المتحدة رغم ان روسيا تملك 20 الف رأس نووي، بينما يبلغ تعداد الصين مليار و300 مليون نسمة وهي تصنع كل حاجاتها العسكرية وتكاد تصبح الاقتصاد الأول في العالم.

لكن، ونظرا للتصعيد الحالي فما هو محتوى العداء بين الولايات المتحدة و إيران؟ وإذا كان هذا العداء يعود إلى قيام الثورة الإسلامية في ايران قبل حوالي 40 عاما فما الجديد الآن؟ طالما ان الطرفين تعايشا ومارسا حياتهما بشكل شبه طبيعي منذ ذلك الوقت؟ فلا تطمح ثورة إلى أن تحكم بمبادئها الثورية أكثر من نصف قرن من الزمن دون إزعاج جدي. وصحيح ان أقوى دولة في العالم – وهي امريكا – تعرضت للهزيمة أمام واحدة من أفقر الدول في العالم – وهي فيتنام – ولكن ذلك كان في ستينيات القرن الماضي، وضمن معطيات زمنية مختلفة، وأمريكا هي التي حددت فيتنام كعدو لها وليس العكس، وكان هدف أمريكا الاستراتيجي ابعد من فيتنام وهو الحد من قدرة العالم الشيوعي على نشر نموذجه في الدول الفقيرة واثبات نجاعته، ولكن أمريكا ارتكبت خطأ فادحا لان فيتنام التي لم تكن تمتلك الكثير لا اقتصاديا ولا عسكريا لكنها كانت تتوفرعلى تماسك شعبي واجتماعي حول القيادة التي استطاعت ادارة واستثمار السلاح الروسي والرغبة الوطنية في الصمود وعدم الرضوخ للولايات المتحدة، وهذه كلها عوامل لا تتوفر في الحالة الراهنة، فايران هي التي اختارت أن تكون أمريكا عدوها الأول بقدر اختيار أمريكا لايران كعدو، وهذا شان سياسي مجرد لا علاقة له بالمعطيات الواقعية لتجربة مثل التجربة الفيتنامية. والخطاب السائد ان أمريكا تريد وضع حد للسلوك العدائي لإيران في الإقليم، وتهديدها لاستقرار الدول المجاورة وتدخلها فيها، فإلى أي حد تستطيع قوة إقليمية مثل إيران تغيير عوامل الاستقرار في الإقليم دون ان يلقي المجتمع الدولي بقوته فورا؟ الا ان كان للدور الإيراني أبعادا دولية فلو كان لكل دولة إقليمية كبيرة جرأة التدخل فيما جاورها بما يتناسب مع قوتها ورغباتها وحدها، فاين يقع الميزان الدولي وما قيمته؟ وما هو النظام الدولي؟

* * *

نشأ النظام الدولي الذي كانت تحكمه الحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية والغربية بعد الحرب العالمية الثانية، ورغم التغيير الكبير الذي شهده هذا النظام مع انهيار الاتحاد السوفييتي وتغيير اتجاهه الايديولوجي، الى درجة اعلان الولايات المتحدة عن نشوء عالم دولي جديد عام 1990 دشنته امريكا بالحرب لتحرير الكويت وقصف العراق، الا ان الحقيقة ان النظام الدولي ظل هو نفسه مع تغييرات في الخطوط الفرعية دون تغيير في الخطوط العريضة، وقد عبر // هنري كيسنجر// يومها عن إحساس بالقلق لدى الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بقوله: // انها المرة الاولى التي لا تجد الولايات المتحدة نفسها أمام عدو قوي //. ولذلك تم ترميم صورة نمطية عن الاسلام المهدد للغرب، وجاء كتاب // صموئيل هتنتجون // ليعبر عن هذه الرؤية السياسية الجامدة في ثوب نظرية فكرية عن // صراع الحضارات //، وحتى بعد تحرير الكويت والتي كان الشعار المصاحب لها هو اسقاط النظام العراقي، الا ان ما حدث هو فرض حصار على العراق استمر 12 عاما عاش النظام العراقي داخله وزاد من استبداده كأنه محمي بالحصار مما أوصل العراقيين الى قبول اي طريقة للتخلص من معاناتهم، وقد جاءت هذه الطريقة بالغزو الامريكي عام 2003 وتم اسقاط النظام العراقي واحتلت بغداد بسهولة.

وكان الاعلام العالمي قد قدم صورة مهيبة للعراق قبل الحرب باعتباره القوة العسكرية الخامسة عالميا، وانه يمتلك برنامجا نوويا وتم تعداد ما يملكه من دبابات وجنود كقوة مهددة للإقليم، وكان قبل عشر سنوات من غزو الكويت قد غزا إيران عام 1980بعد قيام الثورة الإسلامية في جرأة نادرة لدولة عربية باغتت العالم باندفاع جيشها بالكامل لغزو دولة مجاورة بينما لا تستطيع الدول العربية تحريك دبابة دون ان تصل التقارير إلى العواصم الغربية. كان صدام حسين قد اعجب بالدور الوظيفي الذي حازه لدي الولايات المتحدة، وكان جليا في الظاهر إن أمريكا تريد ضرب ايران بالعراق، لكن صدام حسين نفسه بعد عام واحد من اندلاع الحرب قد شعر ان امريكا تريد ضرب العراق بإيران ايضا، فيما اسماه الأمريكيون أنفسهم فيما بعد بالاحتواء المزدوج، وهي تسمية أخرى لما يجدر اعتباره مؤامرة حقيقية على بلدان المنطقة وليس نظرية مؤامرة. وشعر صدام حسين بأنه وقع في الفخ، واخذ يكافح لصد الهجمات الايرانية بعد ان اخرجه الايرانيون من أراضيهم ودخلوا إلى الأراضي العراقية، واستمرت الحرب 8 سنوات دون ان يسمح الغرب لأحد الطرفين بالتفوق الحاسم، الى ان استطاع العراق ان يحول دفاعه إلى دفاع ناجح اعاد الإيرانيين إلى أراضيهم عام 1987 ثم فرض عليهم القبول بوقف الحرب بعد ان اصبح العراقيون مرة اخرى على الأراضي الايرانية في 1988، وبعد اقل من عام توفي الخميني.

كانت هذه صورة عن قوة إقليمية تبدو ظاهريا خارجة عن التحكم الدولي بينما هي تندرج في سياسة دولية تحفظ مصالحها على حساب الشعوب، وقد خرج العراق محطما ومنتصرا من حربه مع إيران بينما خرجت إيران بهزيمة واستقرار سياسي مع اختفاء كل الألوان السياسية المخالفة للتيار الحاكم خلال الحرب مثلما اختفى كل خصوم صدام حسين أثناء الحرب، وبدل ان يتعلم صدام حسين درسا بليغا فقد لعب لعبة جديدة بغزو الكويت، فتعلمت الكويت الدرس من انه قد تتم المقامرة بها في اي حرب، وأما الوطن العربي فخسر تماسكه الهش وانقسم على نفسه ولم يعد ثمة نظام إقليمي عربي في الوقت الذي كانت القضية الفلسطينية تدخل منعطفا متقدما بعد الانتفاضة الأولى جعلت العالم يعترف لأول مرة بالفلسطينيين اعترافا دوليا شاملا.

* * *

والآن؟ هل ثمة حرب بين الولايات المتحدة وإيران؟ ربما نعم وربما لا.. ولكن الأكيد ان الولايات المتحدة الأمريكية لن تترك العرب يحصدون ثمارها.. فاذا كان إضعاف إيران بشكل دراماتيكي سوف يصب لصالح الدول العربية، فلن يكون ثمة تغيير دراماتيكي بل تغيير بطيء وطويل بحيث لا يحدث في الأثناء اي فراغ ناشئ عن تحجيم دور إيران، وأما الغرب فلن يتخلى عن مكاسبه الناجمة عن إضعاف العرب وتمزيق بلدانهم في صراع طائفي فلم يكتفي الغرب بهزيمة القومية العربية عام 1967، ولا بإخراج مصر من الصف العربي عام 1977 ولا بهزيمة الفلسطينيين في حرب لبنان عام 1982، بل انه يعاقب العرب على تحديهم السابق بتقسيم بلدانهم وسحقها سحقا، بل ان الغرب سمح بطعن حلفاءه الخليجيين من الخلف في اليمن وغيره وكان يقال عادة ان هذه // نظرية مؤامرة // لكن إجماع المحللين السياسيين الأمريكيين والعرب بعد تصريحات ترامب بأنها كانت سياسة الرئيس الأمريكي اوباما جعلها حقيقة واقعة وليس مؤامرة، مع أنها في حقيقتها ابعد من أن تكون مجرد سياسة لإدارة اوباما فقط. وأما الأنظمة الإقليمية التي تنفذ هذه الأدوار للغرب فإنها رغم سعادتها بالحصول على دور وظيفي يؤمن بقائها فإنها في الوقت نفسه تنفصل عن شعبها فيصبح مصيرها معلقا بالوظيفة التي تؤديها وعندما يقرر الغرب تعديل الأدوار فانه يحقق ذلك بسهولة، لان الشعب يكون منفصلا عن النظام الذي يريد الغرب تغييره أو تغيير سلوكه، كما فعل مع صدام حسين. وكان نوري السعيد وزير خارجية العهد الملكي في العراق قد قال: // ان بريطانيا تراعي أعدائها أكثر مما تراعي حلفائها // وهذه السمة طبعت السياسة الأمريكية منذ ربع القرن الأخير على الأقل. اما جان بودريارد فكتب بعد حرب الخليج عام 1991 مقالة شهيرة عنوانها: // حرب الخليج لم تقع //.

 

مغربنا 1 المغرب المغرب

maghribona1.ma

 



شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.