مغربنا 1 جريدة إلكترونية مغربية


ذكرى اختطاف و تصفية الرَّجل المسكون بحبّ الوطن المهدي بن بركة

مغربنا 1 المغرب : عبد الناصر فضيلي

حلت أمس الذّكرى الرابعة والخمسون للاختفاء الغامض للقائد السياسي البارز، المهدي بن بركة، دون أن تحدّد معالم الجريمة الكبرى التي هزّت العاصمة الفرنسية باريس، قبالة مقهى “ليب”، من هناك اختطفَ السّياسي المعارضُ ولم تُعرف إلى حدود اليوم بقيّة القصّة.

ولد الشهيد المسمى قيد حياته المهدي بن بركة في يناير 1920 بالرباط . اختفى يومه 29 أكتوبر 1965 في فونتني لو فيكونت شمال فرنسا. كان من السياسيين المغاربة، وأكبر معارض اشتراكي للملك الحسن الثاني.
في 11 يناير 1944 قدم مع آخرين إلى الملك محمد الخامس وثيقة تاريخية تطالب باستقلال المغرب حيث قدمها مجموعة من مثقفي المغرب وكان السياسي المحنك المهدي بن بركة أصغر الموقعين عليها آنذاك وكان عمره لا يتجاوز 24 عام، اعتقل عاما على اثر تقديمه تلك الوثيقة. سنة 1945 صار رئيساً لحزب الاستقلال المغربي والذي قاد الحركة النضالية من اجل الاستقلال في المغرب.
قاد الحزب ليصدر جريدة الاستقلال الأولى في المغرب وهي جريدة العلم.
1948 سافر إلى باريس لتقديم تقرير عن أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة المنعقدة بقصر شايو بالعاصمة الفرنسية وكان من جدول أعمالها إعداد تصريح حول حقوق الإنسان.
فبراير1951 أمر المقيم العام الجنرال جوان باعتقال المهدي بن بركة باعتباره من أخطر أعداء الحماية الفرنسية بالمغرب. وظل رهن الإقامة الجبرية ثم أدخل إلى سجن الدار البيضاء.
أكتوبر 1954 أطلق سراحه حيث شرع في إعادة تنظيم حزب الاستقلال على أساس تمثين العلاقات مع قيادة النقابة وحركة المقاومة المسلحة التي أصبحت واقعا سياسيا بمجرد خلع الملك في غشت 1953.
غشت 1955 كان عضوا في وفد حزب الاستقلال المشارك في مشاورات إيكس ليبان.
نونبر 1955 أشرف على إعداد المليشيا الشعبية التي ضمنت الأمن وسهرت على النظام في هذه الحقبة التي عاد فيها المغفور له محمد الخامس مظفرا إلى شعبه.
16 نونبر 1956 انتخب رئيسا للمجلس الوطني الاستشاري. و كان المحرك الأساسي للقوى الحية المنظمة في مغرب السنوات الأولى للاستقلال.
سنة 1957 أشرف على مشروع بناء طريق الوحدة بمشاركة إثنى عشر ألفا من المتطوعين الشباب.
يوم 25 يناير 1959 قدم استقالته من اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال ليكون حرا يشارك بفعالية في التحولات السياسية التي تمخض عنها ظهور حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كقوة سياسية تهدف إلى استمرار روح المقاومة الوطنية في ضمير الجماهير وقواها الحية.
أبريل 1959 انتهت مهام المجلس الوطني الاستشاري ولن تجري الانتخابات البرلمانية إلا في ماي 1963 وهكذا ستبقى الحياة النيابية منعدمة في المغرب.
6 سبتمبر 1959 انعقد المؤتمر التأسيسي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية بالدار البيضاء الذي سيصير فيما بعد ما يسمى بالإتحاد الوطني للقوات الشعبية. انفصل عنه من بعد بتاريخ (15 سبتمبر 1974) الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
أكتوبر 1959 قام الشهيد المهدي بن بركة بجولة إلى الصين والهند ومصر ولبنان وفرنسا وإسبانيا.
ظهر الجمعة 16 نونبر 1962 تعرض لمحاولة اغتيال قرب بوزنيقة حيث اصيب باصابات خطيرة على مستوى العنق في ثلاث فقرات عنقية مما اضطر معه للسفر إلى ألمانيا للعلاج و بالتالي استبعاده من معركة مقاطعة استفتاء 7 ديسمبر 1962.
بتاريخ 17 ماي 1963 فاز بمقعد على مستوى البرلمان كنائب برلماني عن دائرة يعقوب المنصور بالعاصمة، وأظهر مقدرة عالية في قيادة الحملة الانتخابية التي عرفها المغرب بمناسبة إجراء أول اقتراع عام بعد مرور أكثر من سبع سنوات على الاعتراف بالاستقلال.
يوم 15 يونيو 1963 بعد شهر تأكد للجميع أن الممارسة الديمقراطية السليمة تواجه آفاق مظلمة نظرا للمواقع الخطيرة التي يحتلها خصوم الديمقراطية في أجهزة المملكة، ولهذا قرر المهدي بن بركة مغادرة المغرب.
يوليوز 1963 صدر حكم غيابي بالإعدام في حقه بعد اتهامه بالمشاركة فيما سمي ب “مؤامرة و محاولة اغتيال الملك” وهو في الخارج.
صيف 1963 توالت مبادرات المهدي بن بركة في اتجاه تطويق التناقضات بين العواصم العربية التي تحكمها أنظمة تقدمية.
في هاته السنة اي سنة 1963 كان الشهيد المهدي بن بركة مشغولا بمشروعين اولهما العودة إلى أرض الوطن على أساس وعود بإجراء انفتاح ديمقراطي. و ثانيهما الإعداد لمؤتمر القارات الثلاث بمدينة هافانا في يناير 1966. بالإضافة إلى مهامه الوطنية كانت له عدة مبادرات على صعيد تقوية التضامن ما بين حركات التحرر بالقارات الثلاث.
29 أكتوبر 1965 على الساعة 12 و 30 د كان المهدي بن بركة على موعد مع مخرج سينمائي فرنسي أمام مطعم ليب في شارع سان جيرمان في قلب العاصمة الفرنسية، لإعداد فيلم حول حركات التحرر، وكان هذا المخرج مشاركاً في سيناريو الاختطاف. تقدم رجلا شرطة فرنسيين من بن بركة وطلبا منه مرافقتهما في سيارة تابعة للشرطة الفرنسية حيث قادوه لفيلا بضواحي باريس بدعوى انه سيلتقي شخصية مهمة. يومين بعد ذلك أعلن أخو بن بركة عن إختفاءه لدى الشرطة الفرنسية التي أنكرت آنذاك ضلوعها في القضية.
حسب المعلومات المتوفره في 2006 تمت متابعته من طرف الموساد الإسرائيلي وسي آي آيه اللتان كانتا تخبران كل من الرباط وباريس. تعتبر قضيته رمز الحقبة المظلمة تحت حكم الملك الحسن الثاني، ولطالما جمدت العلاقات الثنائية بين فرنسا والمغرب.
يثير تمسك الأطراف المعنية بقضية المهدي بن بركة، مؤسس اليسار المغربي الحديث، بإخفاء حقيقة اختطافه واغتياله، الكثير من الاستغراب لدى المراقبين.

وبعد ذلك وحتى الآن اختفى اثر بن بركة ورسمياً لم يعرف إلا ما أدلى به الشرطيان أمام محكمة، حيث اعترفا أنهما خطفا بن بركة بالاتفاق مع المخابرات المغربية وأنهما أخذاه إلى فيلا تقع في ضواحي باريس حيث شاهدا الجنرال محمد اوفقير وزير الداخلية المغربية آنذاك ومعه أحمد الدليمي مدير المخابرات المغربية وآخرون من رجاله وأن بن بركة توفي أثناء التحقيق معه وتعذيبه.
هذه الرواية متفق عليها من الأطراف المشاركة بالجريمة أو عائلة بن بركة ورفاقه، لكن ما بعد ذلك لا زالت الروايات متعددة متباينة، ولحد الآن رغم مرور ثلاثة وخمسون عاما لا يعرف مصير جثمان بن بركة وأين دفن. وكل الروايات المتداولة قابلة للتصديق وكلها لا تحمل ما يؤكدها.
ذكر مشاركون في الجريمة أن الجثمان دفن على نهر السين بالقرب من الفيلا التي كان محتجزا بها. احمد البخاري العميل السابق للمخابرات المغربية قال سنة 2001 ان الجثمان نقل بعد الاغتيال إلى الرباط على متن طائرة عسكرية مغربية وتم اذابته في حوض من الاسيد في احدى المقرات السرية للمخابرات المغربية، وصحف مغربية تحدثت قبل ايام ان الرأس فقط نقل للرباط وقدم على طاولة عشاء في أحد القصور الملكية. وقالت روايات أخرى ان الجثمان كله نقل للرباط ودفن بباحة معتقل سري للمخابرات المغربية يعرف ب f3.
قانونيا، عائلة بن بركة ورفاقه لا يطالبون بالكثير، يريدون فقط حقيقة مصير جثمانه ومكان دفنها والوثائق الرسمية الفرنسية التي كشفت على مراحل كان اخرها بداية العام الجاري، بعد اربعين عاما من وضعها تحت بند اسرار الدفاع وحظر نشرها، لم تتحدث عن مصير الجثمان والسلطات المغربية لا زالت تتحفظ في الحديث عن الملف بمجمله وترفض الخوض فيه، رغم ما عرفه ملف حقوق الإنسان وما يعرف بمسلسل طي صفحة الماضي من تقدم طوال السنوات العشر الماضية.
منذ منتصف التسعينات، دشن المغرب مسلسل كشف ماضيه في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بدأ المسلسل بطيئا لكنه مع تولي الملك محمد السادس الحكم في صيف 1999 تسارع وقطع خطوات مهمة، فطلب من الضحايا الحديث العلني وتم تعويضهم وعائلاتهم عن ما لحقهم من اضطهاد وفتحت السجون السرية امام منظمات حقوق الإنسان وكشف عن مصير عشرات المخطوفين ومجهولي المصير كما كشف عن مقابر جماعية لضحايا مواجهات أو ضحايا اعتقال. لكن المسلسل سار محاذيا لملف المهدي بن بركة دون الاقتراب منه ودون معرفة الحكمة من تلك المحاذاة.

الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه قال ان من اغتال بن بركة هو من تآمر عليه وحاول اغتياله في إشارة إلى الجنرال محمد اوفقير والجنرال احمد الدليمي.

اليوم ونحن على أبواب الذكرى 53 لاختطافه واغتياله وإخفاء جثته، يطرح نفس السؤال، ألم يحن الوقت لرفع كل العراقيل لرفع اللبس عن أفظع جريمة عرفها التاريخ المعاصر في حق مناضل أفنى حياته وعمره من أجل تحرير بلده المغرب من المُستعمر ومن مخلفات الاستعمار… والكشف فقط عن حقيقة مصير جثمانه ومكان دفنه.



شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.