مغربنا 1 جريدة إلكترونية مغربية


دور التعليم الديني في دحض الأفكار المتطرفة ( نموذج تونس___ المغرب ) الحلقة الاولى

مغربنا 1 المغرب 

أذكر في حي الانطلاقة بضواحي العاصمة التونسية، دخلت إلى مسجد لأداء صلاة المغرب، ومن عجائب ما رأيت أني وجدت القوم قد أقاموا صلاتين في مسجد واحد بإمامين مختلفين !
وفي يوم آخر، صليت الجمعة في مسجد قرب المركب الجامعي بضواحي العاصمة تونس، وقبل أن ينتهي الخطيب من خطبته الأولى، قام مجموعة من السلفيين برشقه بالأحذية داخل المسجد، تطور الأمر بعد ذلك من رشق بالأحذية إلى شجار فاشتباك بالأيدي والأرجل والأحجار، تحول المسجد إلى مواجهة عنيفة بين شباب ينتمون للسلفية الجهادية، وآخرون ينتمون للسلفية المدخلية، وآخرون من حزب التحرير، لأن خطيب الجمعة ينتمي لحزب التحرير، بينما كان أتباع حركة النهضة ( الإخوان ) يحاولون تهدئة الأمور، وجدوا أنفسهم في نهاية المطاف في حلبة الصراع،
حين تأملت الوضع، وجدت المساجد في تونس مختطفة من قِبَلِ جماعات دينية توزعت على مساجد بين شيعة وسلفية ووهابية، وسلفية مدخلية وسلفية جهادية وحزب تحرير وبين إخوان وأشاعرة وصوفية وجماعات الدعوة والتبليغ.!
كانت فوضى المساجد في تونس بعد ثورة الياسامين تشكل التحدي الأكبر للمرحلة الانتقالية الجديدة بالنسبة للشعب التونسي، كان التونسيون يواجهون موجة من التدين لم يعهدوه من قبل، تدين تشكل فجأة في ألوان وأطياف مختلفة، حتى أصبح التونسيون أنفسهم مختطفون في مرحلة من المراحل، من قبل هذه الجماعات، لدرجة أن بعض المساجد تحولت إلى حلبات صراع يومي.
وفي ندوة دولية التقيت بممثل عن وزارة الأوقاف التونسية، الرجل كان معجبا ومندهشا من النموذج المغربي في تدبير الشأن الديني ومحاصرة ظاهرة التطرف والإرهاب ، سألني عن سر هذا النجاح ؟!
قلت له أولا: نحن عندنا وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وزارة سيادية، وهي تحظى بمكانة كبيرة وعالية بين كل القطاعات الحيوية في المغرب، فهي تخضع لرعاية كاملة من مؤسسة إمارة المؤمنين، هذه واحدة،
ثانيا: وزارة الأوقاف بالمغرب أحكمت سيطرتها وقبضتها على المساجد، بحيث أصبحت كلها تحت الرعاية المباشرة للوزارة، ولذلك لا تجد عندنا انفلات في الخطاب الديني، مع أننا ننشد خطابا دينيا أقوى وأفضل مما عليه الآن، أضف إلى ذلك أن المغرب يعطي اهتماما كبيرا للشأن الديني ويعتبره من أولوياته، فمثلا التعليم الديني في المغرب لم ينقطع عن المغرب منذ الفتح الأول !
وجامعة القرويين كانت أول جامعة أنشئت في العالم الإسلامي ولم ينقطع عطاؤها إلى اليوم، كما أن المملكة المغربية سمحت بإدراج شعبة كاملة في كلية الآداب بالجامعات المغربية، سميت بشعبة الدراسات الإسلامية، هذا فضلا عن كليات الشريعة والقانون، وكلية أصول الدين، ودار الحديث الحسنية ، ومعهد محمد السادس للأئمة والمرشدين ، ومعهد القراءات، والمجالس العلمية وغيرها من المؤسسات الدينية الأخرى، ومئات من معاهد التعليم العتيق، وآلاف من الكتاتيب القرآنية..
بينما أنتم في تونس، مشكلتكم الكبرى أنكم لم تعطوا للشأن الديني أي اهتمام ، مع أن القيروان كان عطاؤها لا ينبض في فترة من فترات التاريخ، وأختها الزيتونة التي كانت منارة علمية كبيرة، وكانت قبلة يُشد إليها الرِّحال من مختلف أصقاع المعمورة..
اليوم أصبحت هذه المعالم الكبرى مجرد بنايات أثرية يتم الوقوف عليها للبكاء على اطلالها..
وحتى وزارة الأوقاف عندكم هامشية، فهي في ذيل الوزارات وأفقر وزارة، وليس لها أي دور في المجتمع التونسي..! ذلك لأن العلمانية البورقيبية فعلت فعلتها في تونس، فقد تم اجتثاث الدين واقتلاعه من المجتمع التونسي، وفرضت العلمانية بشكل عنيف ومتطرف أسوأ من تطرف علمانية فرنسا، وألغي التعليم الديني، وتم تهميش دور المساجد، واحتقار كل ما له صلة بالدين سواء على مستوى سلوك الأفراد أو حتى في تعاطي الدولة مع كل مظاهر التدين في المجتمع التونسي…
لذلك نشأ جيل كبير من الشباب المتعطش للدين، وكبرت معه مكبوتات دينية نتج عنه تطرف مضاد أتى على الأخضر واليابس..
ولذلك انفلت الخطاب الديني عندكم، وخرجت المساجد عن سيطرت وزارة الأوقاف ، وأصبح الحال فوضى التدين تتجاذبه جماعات سلفية وإخوانية وتحريرية وتبليغية وصوفية وشيعية..
وحين اختطفت المساجد أصبح التونسيون يتلقفون خطابا مزدوجا، ودفعوا ثمنا باهضا من دمائهم بسبب التطرف البغيض؛ هي إذا عوامل كثيرة ساهمت في تنامي ظاهرة التطرف في تونس، حين سيطر الجهاديون على المساجد، وأحدثوا فيها فتنا كالقطع الليل المظلم..
يتبع…


شاهد أيضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.